جعيتا - بيروت تايمز - إعداد: الاعلامية منى حسن
في احتفال رسمي وشعبي حاشد، استعادت مغارة جعيتا وهجها كواحدة من أبرز الرموز الجمالية والسياحية في لبنان، بعد إقفال قسري دام ثمانية أشهر نتيجة ظروف تشغيلية وصيانة. الحدث الذي جرى في 21 تموز 2025، حمل أبعادًا تتجاوز السياحة، ليشكّل محطة أمل في مشهد لبناني يئن تحت وطأة الأزمات، ويعيد تأكيد حضور لبنان على الخارطة البيئية والثقافية العالمية.
جاء الافتتاح برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ممثلاً بوزيرة السياحة لورا الخازن لحود، التي أكدت في كلمتها أن "مغارة جعيتا ليست مجرّد مرفق سياحي، بل مرآة لهوية لبنان ومثال عن قدرته على الصمود وإعادة النهوض". وأضافت أن الوزارة تعمل بجهد حثيث لإدراج المغارة على لائحة التراث العالمي في اليونيسكو، تمهيدًا لتثبيت موقعها كأيقونة طبيعية ذات بعد كوني.
حضور لافت ورسائل أمل
حضر الحفل عدد كبير من الشخصيات السياسية والروحية والديبلوماسية، والنواب: ندى البستاني، سليم الصايغ، فريد هيكل الخازن، نعمة افرام، العميد ربيع العاكوم ممثلًا قائد الجيش رودولف هيكل، قائد منطقة جبل لبنان الإقليمية العميد عبدو خليل ممثلا المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله، المقدم ادريانا البستاني ممثلة المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، سفيرة سويسرا لدى لبنان ماريون فاي، وسفير الهند راهول شرما، الوزير السابق زياد بارود، النائب السابق منصور البون، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون القانونية والدستورية المحامي انطوان صفير، الرئيس العام للرهبانية المريمية المارونية الأباتي ادمون رزق، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الاب يوسف نصر، رئيس جامعة سيدة اللويزة الاب بشارة الخوري، رئيس بلدية جعيتا فادي عبود، رئيس اتحاد بلديات كسروان – الفتوح ورئيس بلدية ذوق مكايل الياس بعينو، رؤساء بلديات ومخاتير وابناء المنطقة وسكان البلدات المجاورة.
كما شارك في الاحتفال وفد من جمعية أصدقاء مغارة جعيتا، وممثلون عن المجتمع المدني، والقطاع الخاص المهتم بالاستثمار السياحي، إضافة إلى حضور إعلامي محلي ودولي غطّى الحدث باعتباره لحظة وطنية بامتياز.
خطة تأهيل وتشغيل مؤقت
أعادت وزارة السياحة بالتعاون مع بلدية جعيتا تأهيل الموقع وتجهيزه، بعد فترة من التوقف لأسباب فنية وإدارية تتعلق بانتهاء عقد التشغيل السابق. الأعمال شملت صيانة الممرات، وإصلاح القوارب داخل المغارة السفلى، وتحديث منظومة الإضاءة، وتفعيل التلفريك الذي يربط بين الطبقتين العلوىة والسفلى للمغارة. وقد تم تكليف بلدية جعيتا بالإشراف المؤقت على التشغيل، بانتظار إطلاق مناقصة دولية لاختيار مشغّل جديد ضمن معايير تضمن الشفافية، الجودة، والاستدامة البيئية.
أكثر من مجرد مغارة
تقع المغارة في وادي نهر الكلب في قضاء كسروان، وتُعدّ من أهم المعالم الجيولوجية في العالم العربي. تتكون من طبقتين: العليا مخصصة للمشاة، والسفلى تُزار عبر قوارب في مجرى مائي طبيعي. وتشتهر بتكويناتها الصخرية الخلابة من الصواعد والهوابط التي تشكلت على مدى ملايين السنين.
وكانت قد رُشّحت المغارة في العام 2009 ضمن حملة "عجائب الدنيا الطبيعية الجديدة"، ووصلت إلى التصفيات النهائية، ما عزز مكانتها على الصعيد العالمي.
أبعاد اقتصادية وسياحية
تأتي إعادة الافتتاح في توقيت حساس، مع محاولات الدولة اللبنانية إنعاش القطاع السياحي كأحد المنافذ الاقتصادية القليلة المتبقية. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 1000 زائر يتوافدون يوميًا إلى المغارة منذ إعادة فتحها، في مؤشر على تعطّش اللبنانيين والسياح العرب والأجانب لزيارة الموقع. ويُتوقع أن ينعكس النشاط في جعيتا على الحركة الاقتصادية في كسروان ومحيطها، من خلال تنشيط الفنادق، المطاعم، والأسواق المحلية.
وزيرة السياحة لورا الخازن لحود
ألقت الوزيرة لحود كلمة رئيس الجمهورية وقالت فيها: “يشرفني أن أقف بينكم مساء اليوم، ممثلة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في مناسبة تحمل الكثير من الرمزية والدلالات. فمغارة جعيتا، هذه الأعجوبة الطبيعية التي طالما كانت واجهة للبنان في عيون العالم، تعود لتفتح أبوابها من جديد أمام زوارها ومحبيها، بعد ثماني أشهر من الإقفال القسري. لم يكن هذا الإنجاز ممكنًا لولا إصرار الرئيس عون والشراكة الوثيقة والصادقة بين وزارة السياحة وبلدية جعيتا وتفاني الوزير الصديق زياد بارود ومتابعة وسائل الإعلام وأبناء بلدة جعيتا.
شراكة وزارة السياحة والبلدية نابعة من إدراك عميق بأهمية المواقع الطبيعية في تحفيز الاقتصاد وبدور البلديات، رغم كل التحديات، في حفظ المرافق العامة وضمان استمرارها. نعرف أن البلديات تواجه أزمات مالية وإدارية، وندرك أنها نقطة التواصل الأولى بين المواطنين والدولة، وهي تحتاج إلى الدعم الحقيقي لكي تنجح لا في أداء دورها فحسب، بل في عملية استعادة الثقة بالمؤسسات وبمسيرة النهوض التي انطلقت في لبنان”.
تابعت: “ما تحقق الأسبوع الحالي من توافد لامتناهٍ من الزوار إلى المغارة، فاق الألف شخص يوميا، هو نتيجة إرادة وصبر وتمسك بالحق. اخترنا الحل القانوني، الواضح والمتدرج. أتممنا كل الإجراءات في ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام وسلمنا الموقع للبلدية وفقا للأصول وسوف تتولى بلدية جعيتا تشغيل الموقع موقتًا، بانتظار إطلاق عملية تنافسية جديدة بشفافية تامة لاختيار مستثمر جديد يلتزم شروط تضمن الجودة وتحمي هذا الموقع الكنز للأجيال القادمة، وضعت هذه الشروط، مشكورة، لجنة متخصصة، وأخص بالشكر شركة دار الهندسة التي قدمت جهدها مجانا، و الـ SpeleoClub du Liban لكل العمل الذي سيقوم به النادي، هذه الشروط تحترم دور البلدية، وتفتح الباب أمام تطوير مستدام واستثمار قوي يليق بالموقع ومكانته ولأننا نطمح للأعلى نعلن اليوم نية الوزارة تفعيل ملف طلب إدراج مغارة جعيتا على لائحة التراث العالمي في اليونيسكو”.
أضافت: “سياستنا السياحية لا تقتصر على المهرجانات والصور الدعائية، على أهميتها. السياسات الجدية تقاس بما تغير فعليا على الأرض لذلك اعتمدنا في وزارة السياحة نهجا واقعيا، مبنيًا على المنطق والعمل التراكمي، لا على العناوين الرنانة. من إعادة افتتاح مغارة جعيتا، إلى إطلاق تطبيق جديد يعتمد الذكاء الاصطناعي لتوفير تجربة سياحية مصممة لكل زائر من تطوير الأداء والخدمات في المطار إلى ورشة تعديل آليات ترخيص المطاعم والفنادق لتكون أكثر شفافية وفعالية، من التواصل المباشر مع الفاعلين السياحيين على كامل مساحة الوطن إلى البدء بعملية تدقيق حقيقية في أرقام الوافدين والزوار والسياح، لمعرفة الحقيقة وليس فقط التسويق. نعمل يدا بيد مع وزارات الأشغال العامة والنقل، والداخلية والبلديات والثقافة والزراعة والبيئة والإعلام والذكاء الاصطناعي والشباب والرياضة لأن السياحة لا تنهض بمفردها. في كسروان، في منطقتي الغالية، نرى الإمكانات الهائلة أمامنا. من منحدرات كفردبيان وفاريا، إلى الشواطئ، من جونية إلى نهر ابراهيم، من سوق الزوق القديم مرورا بجعيتا والتلفريك إلى سيدة لبنان في حريصا ومواقع الجذب المختلفة. لبنان بحاجة اليوم إلى إنجازات تبقيه واقفا في ظل منطقة مضطربة”.
ختمت: “إعادة فتح مغارة جعيتا هي واحدة من تلك الخطوات التي تعيد الثقة، وتعزز الأمل وتؤكد أن التعاون بين الدولة والسلطات المحلية والقطاع الخاص قادر على صناعة الفرق. باسم فخامة الرئيس، أهنئ بلدية جعيتا بدورها الريادي، وأشكر كل من عمل بصمت وتصميم للوصول إلى هذا النهار. لكم منا كل التقدير، ونعدكم بأننا مستمرون بخطى واقعية وبشراكات متينة نحو سياحة تنهض بالاقتصاد وتعيد وصل اللبنانيين بأرضهم وتعزز تألق بلدهم في العالم”.
فادي عبود
أما رئيس بلدية جعيتا، فادي عبود، أوضح أن “عودة المغارة للعمل ليست فقط لحظة احتفال بل لحظة مسؤولية”، مشيرًا إلى أن البلدية بدأت بالفعل خطوات لتطوير محيط الموقع ورفده بخدمات ذكية، بالتعاون مع شركاء دوليين ومحليين.
بعدها كرّم رئيس وأعصاء المجلس البلدي في جعيتا الوزيرة لحود وجال الحضور في معالم المغارة الخلابة. اختتم الاحتفال بإزاحة الستارة عن لوحة الافتتاح وشرب الجميع نخب المناسبة.
Comments