د عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
بعد القضاء على محور المقاومة نتيجة قيام حماس بحرب ضد إسرائيل في 7أكتوبر 2023 يعتبرها البعض ردا على مشروع تعطيل إقامة الدولة الفلسطينية عبر مفاوضات تجري بين السعودية وأمريكا من أجل الشروع في تحقيق الممر الهندي الأخضر الذي ينقل الطاقة وبشكل خاص المتجددة من منطقة الخليج وهي متعطشة للطاقة بشكل خاص بعد الحرب الروسية في أوكرانيا خصوصا بعدما اتخذت أوروبا قرارا بوقف استيراد الطاقة من روسيا وليس أمامها بديل سوى دول الخليج الغنية بمصادر الطاقة لتعزيز تنافسيتها الصناعية، وهو يعارض مصالح دول كثيرة منها إقليمية وروسيا بشكل خاص فلم يكن أمام الدول الغربية سوى القضاء على محور ما يسمى بالمقاومة التوسعي.
بعد القضاء على هذا المحور ترك فراغا استراتيجيا، لكن قامت السعودية وتركيا بدعم بريطانيا ومباركة أمريكية سارعوا إلى تحرير سوريا من نظام بشار الأسد الذي لم يتمكن من تحقيق مطالب السعودية تماشيا مع المطالب المصرية بألا يحل محل نظام بشار الأسد نظام يتبع التيار الإسلامي، بسبب تشرذم المعارضة، وليست لديها قيادات جاهزة لملئ الفراغ، قد يجعل بعض الدول العربية غير راضية عن هذه الحكومة الجديدة، لكن سارعت دول الخليج بقيادة السعودية إلى دعم سوريا الجديدة ووقعت اتفاقيات معها الإمارات وقطر.
فيما ترى السعودية في سوريا أنها الضمير الغائب في معادلة القرار العربي، ولن تتهاون في التفريط بأمن سوريا وسيادتها ووحدتها، واعتبرت أن التساهل مع الطابور الإسرائيلي داخل المشهد الدرزي ليس مسالة داخلية بل تعتبره تفريط بالأمن العربي، خصوصا بعد عودة سوريا بعد طول انتظار، ولن تسمح لوكلاء إسرائيل أيا كانوا تحت ستار الطائفية وحماية الأقليات يحولوا سوريا إلى ساحة مكشوفة أمام غرور الردع الإسرائيلي الذي تولى القيام بالقضاء على محور المقاومة التوسعي، لكنه كان تحت الرعاية الغربية.
تعتبر السعودية سوريا خط أحمر على إسرائيل، وتعاملت حكومة أحمد الشرع مع التدخل الإسرائيلي بحجة حماية الأقلية الدرزية في السويداء بحكمة واتزان، وتقديرا لموازين القوى، بعدما أرسلت الجيش السوري إلى السويداء لنزع فتيل صراع داخلي، هددت إسرائيل بسحب حكومة الشرع جيشه من السويداء، واحترمت حكومة أحمد الشرع موازن القوى وأمرت بسحب القوات، لكن استخدمت ورقة العشائر بنحو 41 قبيلة زحفت إلى السويداء، كانت ورقة بل ورسالة تحذيرية لإسرائيل استخدمت لأول مرة في تاريخ المنطقة بذكاء.
ترسل السعودية رسالة لإسرائيل بأن مستقبلها مرهون بإقامة دولة فلسطينية، ولن تستطيع استغلال الانكشاف الاستراتيجي، وتتمدد ظنا أن هناك فراغات، لكنها اكتشفت بعد زحف العشائر إلى السويداء بأنه لا يوجد فراغ استراتيجي في المنطقة، أو انكشاف، وهناك دول إقليمية على رأسها السعودية مسؤولة عن إعادة التوازن إلى المنطقة، ولها علاقات دولية، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة وأوروبا استطاعت استخدام القوة الناعمة في وقف ملئ هذا الفراغ.
لدى السعودية أوراق كثيرة يمكن أن تستخدمها وقت الأزمات، جعل إسرائيل تكتشف أنها حتى لو وسعت من نفوذها سيكون دون عمق بشري متماسك، وسيكون توسع زائف يمكن الانقضاض عليه في أي وقت، بل توسعها سيكون مجازفة قاتلة، ولا تستطيع الأقليات حمايتها، والأقليات غير قادرة على حماية نفسها إذا رفضت أن تكون تحت المظلة الوطنية، بل تعطي إسرائيل فرصة لقابليتها للضرب في الخاصرة، وهي تدرك أنها دولة بنيت على الحذر والحيطة وحماية دولية، فهي دولة ولدت على القلق الأمني زرعها الغرب وأكد لها الحماية المفتوحة، فهي لا تمتلك أدوات تعبئة، ويعتبر ترف انتشار غير محسوب، بل تتعرض أطرافها إلى نزف مزمنة وهي تدرك ذلك.
تتحول جغرافيتها التوسعية من مكسب إلى عبء، ولن تستطيع هي ضبط الفوضى بسبب أن دول المنطقة ينظرون إليها على أنها هي جزء من هذه الفوضى، حتى لو رأت في نفسها أنها من قامت بالقضاء على محور المقاومة التوسعي، لكنه كان بموافقة دولية، ما جعلها ترى أنها راكمت حضورا، لكن الاستراتيجيون من داخل إسرائيل يدركون أن هذا الحضور مزيف لأنه لا يملك وسائل تثبيته، وبسط نفوذا لا تملك إسرائيل القدرة على حمايته، بل يرون أنها تزرع عوامل انهيارها بيدها، فيما من يضبط الفوضى في المنطقة الدول الإقليمية الفاعلة السعودية وتركيا.
نفوذ سعودي خليجي أتى من بوابة الاقتصاد يمتد إلى سوريا بعد جمود اقتصادي لفترة طويلة جدا، المفارقة الملفتة جاء تدشين برج الجوهرة الهدية من السعودية نقطة جذب اقتصادي، فالسعودية تظهر كلاعب هادئ في سوريا، لكنه مؤثر يستثمر في منطقة حساسة لإعادة التموضع في معالة إعادة توازن الشرق الأوسط بعيدا عن منطق الصدام وموازين القوى التقليدية.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا
Dr_mahbiib1@hotmail.com
Comments