طريقي
……….
بقلم عدنان القاقون
قبل الولوج نحو حسابات الربح والخسارة في حروب المكونات في سوريا، يطفو على مشهدية الألم ما يلي: ليس السؤال كم مسجد او كنيسة او دار عبادة في سوريا؟ انما السؤال: كم مدرسة ودار علم وجامعة تمكنت من زرع هذا الكم من الكراهية في مناهج الدولة التي احتضنت اربعين حضارة؟!
مع انحسار المعارك، نوعا ما، في السويداء وتسلل اتفاقات وقف النار في المدينة الساكنة في قلب التاريخ العربي والاسلامي، عادت العشائر الى جادة الوطنية بتراجعها عن خوض حرب ضد احد اهم مكونات الدولة، وتسجل الفصائل المسلحة المغردة خارج سرب المواقف الرسمية هزيمة تلو الاخرى، وانتصرت القيم .قيم التمسك بالارض، الوطن، مهما كانت التضحيات. قيم المواطنة الحقة. وقيم اعادة تصويب مشروع بناء الدولة الواحدة الجامعة لكل ابنائها.
ماذا كسب رئيس السلطة المؤقتة في دمشق وماذا خسر؟
ما الذي جنته السويداء واهلها وماذا فقدت؟ وكيف تكون سوريا الدولة الخاسر الاكبر؟!
أسألة كثيرة ومتشعبة تخرج من رحم واقع "الدم الاخوي" في سوريا.
•يدرك احمد الشرع ان سوريا تعاني تداعيات سرعة انهيار النظام البائد لا تحديات التحرير، وعليه ان يقرأ جيدا تاريخ طائفة الموحدين وهم الكون الاساس، رغم قلة عددهم، في تحصين اسوار الدولة الوليدة.
•وما حدث خلال الايام العشرة الماضية في السويداء يشوه صورة القائد "المنقذ" ويعطب عجلة بناء الدولة الجامعة الواحدة الموحدة.
• اطهرت مشاهد البؤس وعمليات النحر الفئوي لابناء السويداء ان الجلوس في كرسي الحكم في قصر المهاجرين شيء، وأحكام قبضة عدالة الدولة على الجميع شيء آخر، وتبين ان الفصائل المسلحة "غير المنضبطة" هي التي تملك الكلمة الفصل في المحطات المفصلية تمامًا كما حدث في الساحل السوري سابقا والسويداء لاحقا.
• يدخل الرئيس المؤقت لسوريا الميدان الدولي على بساط السلام مع اسرائيل، وفي ظل ما ظهر في السويداء وغيرها يعني ان قطار السلام وبالتبعية اعادة الاعمار والتنمية قد توقف عند "محطات السطوة" للفصائل المسلحة غير الموالية والرافضة عقائديا لفكرة الصلح مع اسرائيل.
• اضعفت السلطة الحاكمة في سوريا اوراقها التفاوضية مع المكون الكردي في شمال وشرق البلاد لتسليم السلاح. فكيف يمكن ان تقنع "قسد" بتسليم سلاح امنها ووجودها في ظل ما حدث في الساحل وما يجري في السويداء.؟!
• يستعد سيد قصر المهاجرين للمشاركة للمرة الاولى في اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. كيف يمكن ان يقنع العالم بالهوية البصرية الجديدة لسوريا بينما مشاهد الرعب في السويداء يبصرها الكبير والصغير في اصقاع الارض.
• اجاد احمد الشرع في تطويق غضبة العشائر واعادتها الى جادة الدولة، وثمة من يرى ان محاولة اخراج "مارد" سلطة العشائر من "قمقم" الدولة يطال في تداعياته المنطقة ككل ،وهو بالتأكيد يدرك ان الاقتراب من خيار كهذا موذ لا بل مدمر.!
في المقابل:
• انتصرت السويداء، حتى الان، بقيم الكرامة والتمسك بحد سيف العيش الكريم ايا كان حجم التحديات والتضحيات.
• رغم تمسك الاغلبية بالبعد الوطني السوري والعروبي والاسلامي، الا ان تدخل الجيش الاسرائيلي خدش سمعة الجبل السلطاني العربي، وان كان من يرى ان "خطأ" الاستعانة باسرائيل، وهي التي يرفرف علمها في عدد من الدول العربية والاقليمية المؤثرة، مرتبط بـ "خطيئة" الزج بالمرتزقة الغوغائيين للنيل من ابناء الحبل وكرامتهم.
• اثبتت الاحداث ان المكون التوحيدي في جبل العرب وخارجه تربطه وحدة الدم والمصير في ساحات الدفاع عن الكرامة والعيش الكريم والدفاع عن الوجود ايضا. بيد ان الاحداث نفسها تشي بان الموقف السياسي غير موحد، وفي التقدير فانه من ضرورات الحكمة والمتغيرات الاقليمية والدولية المتسارعة التقاط مبادرات وقف القتال بعيدا عن التحصن بـ "لا" المطلقة طالما ان ثوابت الكرامة والعيش الكريم مصانة.
ختامًا: يحتاج الشرع الى كل المكونات وفي مقدمتها المكون الدرزي لتدعيم مشروع بناء الدولة، ان كان صادقا في وعوده. ويحتاج ابناء جبل العرب الى بيئة ثقة مع العهد الجديد لمد جسور التعاون والدعم.
فهل تسمح اجندات الفصائل غير الموالية؟
هذا هو السؤال.!
Comments