بسام ضو *
دستوريًا يخضع مفهوم الوطنية الصرفة لمؤثرات كثيرة مختلفة ويتطوّر بموجبها تطورًا مهمًا، ولكنه مع كل الظروف المحيطة من المفترض أنْ يحتفظْ بمبادىء أساسيّة دستورية – قانونية وهي بمثابة ركائـز التي يقوم عليها مبدأ حفظ الأمن الوطني وجدير بكل مسؤول ( رئيس الجمهورية وفريق عمله بمن فيهم المستشارين أصحاب الإختصاص – رئيس الحكومة والوزراء رئيس مجلس النوّاب والنوّاب ) تحديد الموجبات القانونية للركائـز الأمنية الشرعية التي تتولى موجبات حماية الوطن، لا أنْ نُسيِّسْ الأمور وفقًا لمتطلبات مرحلة معيّنة قد تكون كارثية على الأمن الوطني.
أصحاب المسؤولية أصحاب الضمائر أصحاب القسم، لم يكن الوطن في نظـر المُشرّعين والمواطنين وأصحاب الشأن سوى مجال حيوي من المُلزم السهر على سيادته وحماية مؤسساته الشرعية سواء أكانتْ مدنية أو عسكرية. مرفوض أن يكون مفهوم السيادة الوطنية سطحيًا وهامشيًا وظرفيًا ضيِّقًا لا يتعدّى الشعور بأنّ الوطن هو مُجرّد وضع نستفيد من خيراته غُبَّ الطلب ونتكيّف مع الظروف ونستبيح سيادته على حساب مبادىء ظرفية آنية لمُجرّد عجزنا أو ضعفنا لمقاربة موضوع السيادة التامة والناجزة.
أصحاب المسؤولية أصحاب الضمائر أصحاب القسم، مرفوض أن نتخطّى مفهوم السيادة التامة والناجزة تحت تأثير عوامـل سياسية – ميليشياويّة ظرفيّة، هذه المرحلة الخطيرة من الإنفلات الأمني المُموّهة بمنظومات فكرية أصولية ذات طابع شمولي غوغائي بلغتْ حقبة هدّامة شهدتْ تدمير كل مقومات السيادة الوطنيّة حسب المفهوم التوتاليتاري لتبلغ مرحلة الحقبة التدميرية التي شهدت خرابًا ودمارًا وفوضى سياسية ضربتْ كل أواصر الديمقراطية وشكّلت خطرًا على مفهوم الدولة السيّدة على حساب تنامي دويلة ميليشياويّة خرّبت القوانين وسطتْ على كل مقدرات الدولة وقضتْ على مركزية الدولة وشخصيتها وقوميتها الوطنية وتاريخها ومصيرها.
ما يحصل اليوم في كواليس المفاوضات في شأن السيادة الوطني أمر مخزي، وما يُنقل عن وسائل إعلامية تحمل الحد الأدنى من المصداقية عن مطالب بلغتْ حد الوقاحة والعهر في مضامينها ومنها على حد ما ورد في مؤتمر "سان كلو" الذي إنعقد بتاريخ 14 تمّوز من العام 2007، في فرنسا تحت عنوان " حوار مغلق " بمبادرة حينها من الرئيس الفرنسي ساركوزي عبر وزير خارجيته كوشنير وبمشاركة دول إقليمية معنية مباشرة بالأزمة اللبنانية، والمُلفت في حينه أنّ ما يُعرف بقيادات الصف الأول إمتنعتْ عن المشاركة لعدة أسباب مختلفة.
المُلفت في هذا المؤتمر أنّ المُشاركين من الممثلين للطائفة الشيعية المحسوبين على ميليشيا حزب الله إعتبروا أنّ أي إتفاق سيحصل هو مجحف بحقهم والمُلفت أن هذه الميليشيا حملت مسوّدة مطالب في حينه تضمنت العديد من العناوين منها على سبيل المثال : أ- نائب رئيس للجمهورية شيعي، ب - أنتخابات نيابية خارج القيد الطائفي، ج - تعديل جوهري على مبدأ المناصفة، د - قيادة الجيش... أي هناك مطالب ميليشياوية لنيل مواقع جديدة وأساسية، وهذا ما أعادوا مطالبته في هذه المرحلة عبر تقديم أوراق حملها أكثر من موفد دبلوماسي عربي ودولي.
مفهوم السيادة عند هذه الميليشيا مشوب بالإرتباطات الإقليمية، وتتسِّم بالولاء المُطلق للجمهورية الإسلامية الإيرانية على حد ما يقوله مسؤوليها، وتتميّز بالتعلُّق بما تفرضه السياسة الإيرانية في المنطقة، وعمليًا ووفقًا للمعطيات الحالية أخذت هذه الميليشيا تتحرّرْ أكثر فأكثر من الأنظمة والقوانين اللبنانية لتعتمد سياسة ومحتوى لتوجهات إيران، وتطوّر هذا النهج الميليشياوي ليس رهنًا بالمرحلة الحالية فقط بل بمستوى الشروط المفروضة من مؤتمر "سان كلو" أيضًا. المنطق القانوني يفرض الولاء للوطن والإعتراف المطلق والغير مشروط بالسيادة الوطنية وبالقوانين المرعية الإجراء لا بضرب الصيغة ولا بضرب ما تم الإتفاق عليه في مراحل سابقة ونعني وثيقة الوفاق الوطني،إنّ أي مس بهذه الصيغة في هذه المرحلة الحرجة التي تترافق مع ضعف الزعامات الوطنية لهو أمر خطير من المفترض معالجته شكلاً ومضمونًا.
الولاء للجمهورية اللبنانية إنتاج وطني دائم وبناء هيكلي مستمِّرْ، إنّ أي مكوّن سياسي يستوفي شروط المواطنة وقانون الأحزاب والجمعيات مع كافة تعديلاته من حيث الولاء للوطن ومؤسساته، هو بالذات وحصريًا يحق له دستوريًا وقانونيًا الإرتفاع لمستوى المطالبة بالتغيير الذي تؤهله له إمكاناته الوطنية والشرعية وطاقاته المُطالبة بالحقوق، أما الذي لا يستوفي شروط المواطنة والولاء للوطن ومسيرته الوطنية تتميّز ب"العمالة " لا يحق له رفع أي مطالب بناءً على عدّة معطيات ومنها على سبيل المثال لا الحصر : أولاً – عمالته للغريب وحركته اللاشرعية، ثانيًا – ثبات عدم حصرية تمثيله لبيئته وهذا لا يعني أن تمثيله الحالي شرعي بل مشكوك بأمره والدليل ممارساته اللاقانونية داخل بيئته، ثالثًا – إمتلاكه السلاح بحجة الدفاع عن لبنان ولكن الواقع يُناقض مضمون حمل هذا السلاح لا سيّما بالعودة لوثيقة الوفاق الوطني وبنودها وخصوصًا حصرية السلاح، ولنص قانون الدفاع الوطني.
هل أدرك المسؤولون الرسميّون ومن يعاونوهم ورؤساء الأحزاب وكل المقامات الروحية أنّ للدستور سيادة ينبغي أنْ يُحافظ عليها في كل الظروف، والمفروض أن يعي هؤلاء الساسة رسميين وعاديين (زمنيين وروحيين) أنّ النصوص الدستورية أسمى من كل قانون في الدولة؟! هل أدرك المسؤولون أنّ للدستور أحكام منها: أ- إنّ الجمهورية اللبنانية دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجّزأ وسيادة تامة، ب – الحدود المعترف بها دوليًا، ج - حقوق اللبنانيين وحرياتهم مضمونة في الدستور بنص صريح، د – الحريات الشخصية وحرية المعتقد، ه – حرية الفكر والتعليم.
مسؤولين مدنيين وروحيين وأخيرًا نذكركم بما ورد في القانون " لا يجوز إبداء الرأي بالقول والتأليف والنشر بصورة تمُّسْ أمن الدولة الداخلي كإثارة العصيان المسلّح ضد الحكومة وتحريك النعرات الدينية والعنصرية، وإشاعة الذعـر بين الناس في ما يتعلق بمكانة الدولة... " أيها المسؤول إلتزم القانون وطبقه ولا تتهاون، وإن لم يكن لديك القدرة بما أوحيته من إلتزامات أمامك خيارين، الأول – إعترف بفشلك وإسعْ لتعديل سياستك عبر إجراء تعديل حكومي فوري، الثاني – قدم إستقالتك وإفسح المجال لقيام نظام إنتقالي.
* كاتب وباحث سياسي
Comments