bah نسمة الأمل في زمن الحقد والتفرقة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

نسمة الأمل في زمن الحقد والتفرقة

08/27/2018 - 17:19 PM

absolute collision

 

بقلم: محمد زريق

أنتِ قوية، أنتِ جبّارة، أنتِ متمردة؛ ليس محبةً بكِ لأنكِ امرأة ولا إعجاباً بكِ لأنّي رجل، بل لأنكِ السيدة التي كرّمها الله بالصبر والشّجاعة والرجولة والأنوثة في آنٍ معاً. أتحدثُ عنكِ ليس للتعريف بكِ بل لأنَّ كلماتي انسابت بهدوء لتعيد شبك الحكاية البشعة وتعطي الأمل والحلم إلى كل من يقرأ هذه الكلمات. يُقال أنَّ وضع اليد مكان الجرح بعد فترة من الزمن يوجع أكثر من الوجع الحقيقي الذي انتابنا في المرة الأولى، ولكن في عقيدتي أنَّ الجراح لن تطيب إلا إذا تألمنا وتوجّعنا واستشعرنا بلذة الألم، لأنَّ الجرح مهما طال زمنه لن ينتهي ومكانه سيحفر عميقاً في القلب أما وجعهُ فسيصبح رفيق حياتنا الدائم.

عذراً منكِ أيتها السيدة الشجاعة، أنتِ التي استطعتِ أن تُبهرينا بقوتكِ، وتمنحينا الأمل بضحتكِ الجميلة، ولكن من يعلم الحكايات والروايات التي تقطن وراء الضحكات، فالعين ترى الظاهر أما القلب هو وحدهُ الذي يستطيع أن يرى الحقيقة الصادقة والقصة الكاملة حتى ولو وضعنا هذه الحقيقة خلف ألف حجاب. أعتذرُ منكِ لأنَّ كلماتي اليوم ستكون قاسية جداً، وربما هذه أقصى الكلمات التي تتلقينها في حياتكِ، وأعتذرُ إذا كنتُ سبباً للدموع، فالسماء الملبدة ستجلب المطر ووراء المطر هناك الربيع وفصلٌ جديد وحياةٌ جديدة، الحياة لن تقف بنا إنما نحن من نختار أن نقف في منتصف الطريق ونستسلم، ولكن هذه الكلمات ليست موجّهة لكِ لأنكِ أنتِ من تمنحين الأمل للحياة وليس العكس.

منذ فترة ليست بالبعيدة قابلتُ سيدة من نوعٍ آخر وليست كباقي السيدات، عاشقة للحياة والضحكة الجميلة لا تفارق ثغرها ولو للحظة. كنتُ مندهشاً لأنَّ هذه النوعية من البشر أصبح وجودها نادراً في أيامنا الحالية، لأنَّ الأيام جعلت الناس ترتدي وجوه التعاسة والبسمة هجرت مجتمعنا منذ زمنٍ بعيد. إنها دهشة جميلة ومُفرحة عند رؤية هذه النوعية من البشر، الناس التي لا تعرف سوى التفائل في الحياة. أجل لقد كان شيئاً جميلاً مرَّ في حياتي ومصدراً للفرح والتفائل، ولكن هذه ليست كل الحكاية، فهذا المشهد الجميل والمثالي قد انقلب رأساً على عقب، ودقائق قليلة كانت كفيلة بتغيير كل شيء.

لطالما تحدثتُ بلغة المدح والثناء على وطني لبنان وسكان هذا الوطن، ولكن اليوم وأنا بكامل قواي العقلية قررتُ أن أسحب كل جميل خطتهُ يدي عن هذا الشعب، وأن أحتقر هذا الشعب لأنهُ فَشِلَ في التعامل مع القانون والنظام والأخلاق وحتى في التعامل مع الآخر، فنحنُ نأخذ القشور من الشرق والغرب ونترك اللباب جانباً، ليس لأنَّ هذا مستحيلاً بدل لأننا شعب أتقنَ فن الكذب والمجاملة وتقسيم المُقسّم.

صدق من قال أنَّ المرأة هي كالعشب الناعم ينحني أمام النسيم ولا ينكسر أمام العاصفة؛ والمرأة التي أقصدها هنا أثبتت أنها لا تشبه سوى العشب الناعم بعد أن مرّت عليها العواصف والرياح، ولكن لم تقوى كل العواصف أن تُقلّل من عزيمتها أو تنال من قوتها، فعاصفة الحرب الأهلية اللبنانية جعلت منها ملاكاً معلقاً بين الأرض والسماء فقد اختارها الله أن تُكمل مسيرة الحياة بعد أن رحل جميع أفراد عائلتها المسالمة ليس بشكل عشوائي إنما قتلاً، لتصبح هي شاهدة على أبشع ما اقترفهُ اللبناني بحق أخاه ولتكمل الحياة وحيدة دون أب أو أم، ولكن مع الكثير من القوة والشجاعة والصلابة.

أستذكر اليوم هذه الحادثة البشعة لأتوجه إلى كل مواطن/ة لبناني/ة وأقول أنَّ عبارة عَفا اللهُ عَمَّا مضى ليست صحية في أيامنا الحالية، لقد أوليتم رقابكم إلى من ذَبَحَ وهجَّرَ وقسّمَ عوضاً عن التوحيد، هذه المجموعة المتغطرسة والمتربصة والغارسة أنيابها على رقبة هذا الوطن لا تزال متواجدة وهي التي تمسك بلدنا بقبضة فولاذية وتحكمهُ بالحديد والنار، إنَّ الحرية والديموقراطية في هذا الوطن ليست سوى شمّاعة تخفي خلفها الكثير من الظلم والإستبداد.

إنني أحتقر كل مواطن يتّبع رجلاً سياسياً أو حزباً لبنانياً أو كل إنسان طائفي مهما علا شأنه أو كثرة إنجازاته وشهاداته، ومهما كَبُر في أعين الناس فمكانته عندي هي صفر. ربما لأنني لستُ شخصاً وصولياً وربما لأنني إنسان قد اكتفى بما قسمهُ لهُ ربهُ في هذه الحياة، وفضّل الحرية على كل كنوز الدنيا، كل هذه العوامل جعلت من صراحته قاتلة وصادمة في بعض الأحيان.

كم من الثورات والأفكار التحرّرية في العالم كانت أساسها كلمة، إنَّ ما يحدث في عالمنا العربي منذ فترة طويلة لا يمت إلى الحرية ولا إلى التحرر بصلة لأنَّ الشخص الذي يطالب بالحرية يجب أن يستخدم الفكر والكلمة وليس السلاح فهذا وإن دلَّ على شيء فهو يدل على الغباء وتردي الوضع العربي من السيء إلى الأسوء.

في خاطري سيدة هي اليوم الشاهد على بشاعة التاريخ والوضع اللبناني منذ الماضي القريب إلى أيامنا هذه، وربما أبقاها الله على قيد الحياة لتخبرنا الكثير من القصص التي يعجز اللسان عن وصفها، وحدها تلك الإبتسامة الجميلة تخبرنا كل الحكاية .. حكاية الأمل رغم الجراح.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment