bah زياد الرحباني: الموسيقي الناعم والثائر الحالم - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

زياد الرحباني: الموسيقي الناعم والثائر الحالم

08/27/2018 - 17:54 PM

Prestige Jewelry

 

بقلم: محمد زريق*

من وطن فيروز ووديع وعاصي ومن الزمن الجميل جِئتُ إليكَ حاملاً رسالة من وطنٍ أردناهُ أن يكون على شاكِلتِنا ولكن كان للقدر معهُ حكاية أخرى. كم كان صعباً وشاقاً الدرب، فما بين الأمس واليوم مسافاتٌ بحجمِ مجرة ورعدٌ وريحٌ وبرقٌ وأحلام، كم كان شاقاً درب الوصول، فما بين الأمسِ واليوم مسافاتٌ قصيرة تسكُنُها الجبال والمنحدرات والوديان والحُفر. أكتبُ إلى من جعلَ من قلمِهِ بِساطاً يطيرُ بهِ ما بين الواقعِ والمرجو، لنكونَ أمامَ عالمٍ آخر لا يشبهُ عالمنا، إنهُ عالم زياد الرحباني القائم بحدِ ذاته، هذا العالم الذي لا يخلو لا من الفن ولا من الإبداع ولا من العَظَمَة ولا حتى من الضحكة.

زياد الرحباني الفتى المشاكس الذي كان يحلم منذ ريعان شبابه بوطنٍ يشبههُ ويحمل أمانيه، وقد حاول جاهداً العمل على تغيير الواقع الصعب والمر وعلى تصويب إعوجاج هذا الوطن، ولكنَّ المشكلة هي أنَّ الله أوجدَ زياد الرحباني في البقعة الغير مناسبة من هذا العالم، فلا أفكارهُ تشبه هذا الوطن ولا منهجية هذا الوطن تشبه تطلعات هذا الرجل، ففي هكذا وضع معقّد ومشرذم من الطبيعي أن تحصل حالة من الإنتفاضة، فقد رفَضَ زياد الحياة المعاشة في الدرجة الأولى وحاول صنع واقع جديد من خلال المشاركة السياسية ومواقفه الحازمة ضدّ عدم العدالة والفساد.

ما بين بيروت وموسكو عشّش حلم زياد الرحباني، هو الذي أحبَّ الأفكار الإشتراكية والشيوعية والإنتماء إلى الإنسانية جمعاء، ففي عقيدة زياد الرحباني كل البلاد هي وطني، وما يجمعنا هو أكثر مما يفرقنا فالإنسانية توحّد. تمضي السنين والفيلم الأميركي الطويل لم ينتهي بعد، لأنها أفكار رجل عبقري نتذكرها كل يوم من حياتنا لتصبح جزءاً منّا.

عاشق الموسيقى والثورة والجمال، الذي تمرّدَ على كل شيء في حياتِهِ إلا على الموسيقى، فزياد الفنان هو ذاك الرجل الذي يدخل هيكله الفني بخشوع ليضَعَ جانباً كل الأفكار التي لا تشبه ناسه ويتقرّب من ناسه بالموسقى. هكذا استطاع زياد أن يستحوذ على قلوب وعقول محبيه إما بالموسيقى والفن أو بالأفكار السياسية التغيرية والصادمة في زمن الوراثة والتقليد.

أصبح زياد الرحباني أيقونة لبنان، كما جيفارا الأرجنتيني وكاسترو الكوبي ولينين السوفياتي وعبد الناصر المصري، كذلك زياد اللبناني؛ لأنهُ شكّلَ حالة خاصة تجمع ما بين التقليد والتجديد، فهو الذي استطاع دمج الدمعة مع الإبتسامة والكذبة الجميلة مع الواقع المر والنغمة الرقيقة مع السياسة القبيحة، فهكذا ظاهرة من الصعب أن تتكرر كل يوم في التاريخ.

زياد الرحباني الذي لا يخفي ميوله السياسية وتوجهاته الشيوعية، تحدّثَ منذُ فترة وجيزة عن رغبته بتشكيل نواة لمجموعة سياسية أو لحزب سياسي جديد يشبه الحزب الشيوعي ولكن بطريقة أكثر عصرية، وأنَّ هذا الحزب سيستخدم السلاح لمقاومة إسرائيل وحتى للمواجهة في الداخل إذا لزم الأمر. إنَّ مثل هذه الفكرة لا يمكن أن تصدر إلا عن رجل إسمه زياد الرحباني، لأنها تحتاج إلى الكثير من الجرأة والعمل على تحويل الأفكار إلى حقيقة.

بناءاً على تجربتي المتواضعة ونظرتي الشخصية، فأنا أعتبر أنَّ مثل هذه الأحزاب لن تكون توحيدية لأنها لن توحّد الشعب اللبناني بل ستُضاف إلى قائمة الأحزاب التي تُقسّم المُقَسّم، كما أنَّ مواقف العداء لإسرائيل أصبحت شعاراً ليس إلا، فالجبهات هادئة وباردة (ويا جاري إنتَ بدارك وأنا بداري)، أما الحديث عن التعارض مع فئات من الداخل اللبناني وإذا لزم الأمر استخدام السلاح فهذا يدل على التراجع إلى الوراء وليس العكس، فما فائدة الفكر السياسي إذا لم يكن العقل هو نبارسه وليس المدفع.

إعتَقَدَ ميشال شيحا بأنَّ طوائفية هذا البلد هي علّة وجوده، ولا إصلاح إلا بها وعليها ومن خلالها. فأنا الشخص العلماني والذي يشبه زياد الرحباني كثيراً، أصبحتُ مقتنعاً بأنَّ ظاهرة الأديان والطوائف هي من صميم هذا الوطن ولا يمكن اقتلاع التجذر الديني من النفوس، أما ما يمكننا العمل عليه فهو تحويل علّة الطائفية إلى نعمة وتقديم لبنان على أنه أنموذج جيد للتعايش ما بين الجماعات المختلفة، ولكن أيضاً العمل على نزع الولاءات إلى الخارج وتحويلها إلى ولاء وطني واحد، فما يفرقنا هو الكثير ولكنَّ الأهم هو أنَّ ما يجمعنا هو محبة وطن اسمه لبنان.

 

* كاتب سياسي وناقد إجتماعي وناشط في المجتمع المدني اللبناني ومترجم، لديه العديد من الدراسات المنشورة، وهو مهتم في السياسات الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط.

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment