bah حل الدولتين ينطلق بزخم استثنائي بقيادة سعودية فرنسية - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

حل الدولتين ينطلق بزخم استثنائي بقيادة سعودية فرنسية

07/30/2025 - 16:24 PM

Bt adv

 

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب  *

 

من تواطأ على القيام بحرب طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 اعتقادا أنهم يهدفون إلى اعاقة إقامة الدولة الفلسطينية، وفرصة تصفية القضية بدعم أمريكي، مستفيدة إسرائيل من اصطفاف دولي في حقها الدفاع عن النفس، لكن الغرور الإسرائيلي جعلها تتبع نفس السلوك الذي تعرضت له على يد النازيين في ألمانيا القيام بإبادة جماعية لسكان غزة، بالتزامن مع اتباع نهج التهجير والتجويع، انقلب المشهد ضد إسرائيل.

ظنت إسرائيل أن اتباع نهج القضاء على ما يسمى بمحور المقاومة التوسعي بغطاء دولي، مبررا كافيا للقيام بالإبادة الجماعية في غزة، فيما اتبعت السعودية ديناميكية سياسية ودبلوماسية ذكية تتماشى مع اتباعها الحياد الإيجابي، وربطت إسرائيل في عهد بايدن احتياجات الأمن القومي للسعودية بالتطبيع، لكن السعودية ربطته بإقامة الدولة الفلسطينية، لكن هوس التطبيع مع السعودية خصوصا انها لم تحقق ما أرادته من التطبيع مع الامارات والبحرين والسودان والمغرب ولا زالت تعاني من عزلة، جعل إسرائيل تعتقد أن القضاء على محور المقاومة التوسعى بغطاء دولي يجعلها تطلب الثمن من السعودية بإقامة علاقة مقابل ذلك، لكن السعودية تمكنت من فصل احتياجات الأمن القومي للسعودية وربطه بالتطبيع في عهد ترمب.

رغم ما حققته إسرائيل من القضاء على محور ما يسمى بالمقاومة تحت غطاء دوليا، لكنها بمواصلة الإبادة والتهجير والتجويع في غزة خسرت رصيدها من التعاطف الدولي الذي حصدته منذ 1945 باعتبار أنهم ضحايا الاضطهاد الاثني وحملات التطهير والابادة التي جرت في أوروبا، خصوصا بعدما جمع اليهود رصيدا تعاطفيا كبيرا جدا من حركة الهولوكوست التي ذهب ضحيتها 6 ملايين يهودي احرقوا على يد النازيين الألمان.

بالطبع الرصيد جمع بشكل مدروس وممنهج، ولم يكن مجرد اجتهادات فردية، بل قادته الصهيونية العالمية التي تحولت إلى أنموذج استنسخته الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، وحاولت إسرائيل استنساخه في سوريا في السويداء خوفا من نجاح مشروع دولة سوريا الجديدة برعاية سعودية يمتد إلى إقامة دولة فلسطينية، لكن بادرت السعودية باستخدام ورقة العشائر، ثم ورقة الاقتصاد، وضخ استثمارات لتنمية المناطق السورية، وتوفير فرص عمل للشعب السوري لترسيخ الاستقرار.

استنزفت السعودية رصيد إسرائيل التعاطف الدولي بشكل عكسي، وأن ما تعرض له اليهود تمارسه دولة إسرائيل مع الشعب الفلسطيني، ولم يعد الرصيد العاطفي  ما تقوم به دولة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني من إبادة وتجويع وتهجير مبررا.

اتخذ المجتمع الدولي في 28/7/2025 بزخم دولي لم يسبق له مثيل القيام بأعمال المؤتمر الدولي رفيع المستوى الذي تستضيفه الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك على مدى يومين وترعاه السعودية بمشاركة فرنسية من أجل التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، وسط عدم اعتراض جذري للولايات المتحدة على الرغم من عدم مشاركتها، وحينما سئل الرئيس ترمب عن تزايد اعترافات الدول في العالم بدولة فلسطين المستقلة قال فليفعلوا ما يشاؤون، إشارة إلى عدم وقوف الولايات المتحدة أمام هذا الزخم العالمي الزاحف، كذلك عندما سئل  ترمب عن احتمال إعلان رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر حليفة أمريكا الاعتراف بدولة فلسطين على غرار ما فعل ماكرون قال ترمب لا أمانع أن يتخذ موقفا، بل صرح وزير خارجية بريطانيا في المؤتمر بأن عدم اعتراف نتنياهو بدولة فلسطين المستقلة خطأ أخلاقي واستراتيجي، ولأول مرة إسرائيل محاصرة دوليا، ويدرك الاستراتيجيون اليهود أن نتنياهو عندما عرض في الأمم المتحدة مشروع إسرائيل الكبرى غير ممكن، وبشكل خاص يصطدم بدول إقليمية كبيرة فاعلة في المنطقة مهما كان الدعم الأمريكي وعلى رأسها السعودية وتركيا ومصر وإيران.

وعندما افتتح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويترش المؤتمر شكر السعودية التي ترعى المؤتمر بمشاركة فرنسا، قال النزاع منذ أجيال متحديا الدبلوماسية، وقرارات لا تحصى، متحديا القانون الدولي، وقال لا شيء يبرر هجمات 7 أكتوبر 2023، لا شيء يبرر تدمير غزة وتجويع السكان، الضم التدريجي للضفة الغربية غير قانوني جزء من واقع منهجي يفكك ركائز السلام في الشرق الأوسط، حل الدولتين يمثل فرصة نادرة.

تحشيد دولي حتى الآن وافقت 145 دولة من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة، هناك 12 دولة أوروبية وافقت على إقامة الدولة الفلسطينية من أصل 27 دولة منها السويد واسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا والنرويج، ومحتمل تنضم هولندا، وبلجيكا مالطا، كندا، اليابان، كوريا الجنوبية، وبريطانيا مترددة، وألمانيا ترفض في الوقت الراهن أن تسير في ركاب فرنسا، واعتراف هذه الدول ليس اعترافا كلاسيكيا بل اعترافا حقيقيا لم يعد ينفع التسويف.

تبنت السعودية القضية الفلسطينية منذ اجتماع الملك عبد العزيز بالرئيس روزفلت في البحيرات المرة بقناة السويس في الرابع عشر من شهر فبراير 1945 ذلك اللقاء التاريخي كان روزفلت مؤمنا بالقضية الصهيونية وقد اعتمد على الناخبين اليهود في 1944 للمرة الرابعة كعادة كل رئيس أمريكي، وحق اليهود في وطن قومي لهم بموجب وعد بلفور 1917، وقال للملك عبد العزيز أنه قطع وعد على نفسه بمساعدتهم، مستفسرا عن رأي الملك عبد العزيز في هذا الأمر، فجاء جواب الملك عبد العزيز حازما ومباشرا أعطهم وأحفادهم من بعدهم أفضل الأراضي والمنازل في ألمانيا التي قامت باضطهادهم، لكن إجابة روزفلت أتت أنهم لا يريدون ألمانيا ويريدون الإقامة في فلسطين، كانت اجابه الملك عبد العزيز أن اليهود يجب أن يعودوا إلى الأراضي التي طردوا منها، أو الإقامة في دول المحور.

وقال الملك إذا لم يكن بوسع الحلفاء السيطرة التامة على ألمانيا، فلماذا خضتم هذه الحرب المكلفة، وفي نهاية الاجتماع وافق روزفلت على أن لا يتخذ أي قرار مصيري بشأن فلسطين إلا بالتشاور الكامل مع العرب، وهو تعهد غير مكتوب اعتبره الملك عبد العزيز تعهد أقوى من أي تعهد مكتوب، وأكد ذلك روزفلت قبل وفاته بأسبوعين في 5 أبريل 1945 تأكيده للملك عبد العزيز فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بأن سياسة حكومته لم تتغير، وكذلك تبنى الملك فهد مشروع إقامة الدولة الفلسطينية 1982 وتبنى الملك عبد الله عندما كان وليا للعهد مشروع المبادرة العربية في بيروت 2002.

بالطبع بعد وفاة روزفلت صوت الرئيس هاري ترومان لصالح قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947، وقبلت إسرائيل بخطة التقسيم ولكنها ظلت حبرا على ورق، ثم أتت مبادرة مدريد بعد 6 مارس 1991 ثم مبادرة أوسلو 1993، فيما اليوم يخلق المؤتمر تيارا قويا دافعا حتى موعد المؤتمر 21 في سبتمبر 2025 يعيد حل الدولتين إلى الواجهة الدولية، وتقديم خريطة طريق برؤية متكاملة لكيفية إنهاء النزاع، فيما تراهن فرنسا على تغيير سياسي في إسرائيل بعد موافقة الكنيست على قانون يدعو لضم الضفة الغربية ردا على إقامة مؤتمر حل الدولتين في نيويورك.

 

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا

              Dr_mahboob1@hotmail.com

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment