bah زياد بنُ فيروز - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

زياد بنُ فيروز

07/31/2025 - 12:08 PM

Prestige Jewelry

 

 

 

بقلم: فريد غانم

 

أو، هو ابنُ عاصي لمن يشاء،

أو هو ابنُ الشّجر العالي ورفيقُ جلجامش وأنكيدو في رحلة البحث عن الذّات ومعنى الحياة والموت.

وهو، بأبجديّته الحافية، سليلُ قدموس.

زيادُ بنُ فيروز،

هو أكثر من زياد؛

هو أبو علي،

وترٌ على وجنةِ البُزُق،

وهو رضا، رفيق بني الغبراء،

وبائع الفلافل في زقاقٍ منسيّ،

وهو التقاء العودِ بالبيانو، بدون صراع الحضارات،

وسخريةٌ جميلةٌ تشقُّ فساتينَ الشّرانقَ وتزهر فراشات ملوّنة،

وشوكةٌ في خصرِ العصبيّة والطّائفيّة.

وهو الصّرّةُ العائدة من بعيد، على هدير البوسطا،

وهو دهشة الأرجوان المزروع في أعماق البحار والمَحار.

وهو قاربٌ فينيقيٌّ، وركامُ قرطاج، 

وهو مطرقةُ فوقَ عظام التّاريخ المزيّف،

وهو رفيقُ ابنِ بَرقة، في رحلة عبور جليد الألب

وحصارِ روما وانتصار الموت الكريم على العبوديّة. وهو السّقوط المُدوّي

نحو انبعاثِ العنقاء من رمادها.

هو زيادُ ابنُ عاصي،

لكنّه أيضًا الكادحُ المعلّقُ على حبّاتِ العرق،

وهو، في آنٍ معًا، صقرٌ من أحفاد طائر الفينيق، يرى دبيبَ النّمل تحت الأرض.

وهو طائرُ الدّوريّ على أطراف البيوت الحجريّة،

وهو مطحنة القمحِ وعينُ الماء الجاري في جرّةِ حوريّة، 

وهو مخاضُ الوطن المتخبّط في جمجمة….

يبدو أنّ العباقرة يموتون في لمح البصر، لأنّ حياتهم عريضةٌ وعميقةٌ وباسقة.

ويبدو أنّنا أخطأنا، منذ ما قبل ابتكار ساعات الظّلّ والشّمس والماء. فالحياةُ لا تقاس بالطّول، وإنّما بمساحاتها وعُمقها وآفاقها.

وهكذا، يجوزُ أنّ زياد بنَ فيروز مشى أيضًا في درب سيّد درويش، وحمل معه عبقَ أزقّةِ القاهرة وتَعبَ السّواقي وحكايات الوحلِ والطّميِ وإيقاعَ النّيل عند طلوع شمسِ الشّموسة.

ثمّ حملَ سلالمَ الأخوين رحباني على جبل لبنان، وتسلّق على صوت فيروز نحو السّماء المخمليّة.

فهل نبالغ في كلّ هذا؟

يجوز.

فزياد كان بسيطًا، كخبز الفقراء؛

نام على أرصفة الموانئ ليواجه الأساطيل بفكاهةٍ عابرةٍ للقارّات والقلوب،

وتلفّع بما تيسّر من أردية عاديّة، فكسرَ التّيجان ومزّق عباءات الحرير.

وببسمته الضّبابيّة، اخترق جدرانَ التّملقّ. 

كلّ هذا وذاك، بدون تكلّف، بعيدًا عن النحو والصّرف والزركشة.

كلّ هذا ببساطةٍ هي - بكلِّ بساطة - بساطةٌ عبقريّة. 

وكان زياد ثاقبًا للبالونات الفارغة، أو تلك المكتنزة بالتّفاهات، بلغته المحكيّة وصوته المُشبعِ بالسّهَر.

وكان زياد بنُ فيروز صادقًا مع نفسه إلى درجة الإحراج.

فقد تصادف مثله، لكنّك لن تجد أصدق منه مع ذاته. (والصّادق مع نفسه لا يمكن إلّا أن يكون صادقًا في كلّ شيء.)

هل كان زياد عبقريًّا في الموسيقى والمسرح والأغاني؟

نترك هذا الشّأن لأصحاب الشّأن، ونبقي لقيصر ما لقيصر.

لكن، من المؤكّد أنّه كان عبقريّا بهذه العفويّة والبساطة والسّخرية الإبْرِيّة التي تفوق كلام الفلاسفة المنمّق.

زياد بن فيروز كان وطنًا جميلًا لكن معذّبًا، في جنّة مزروعة بالتّينِ والصّبّار،

وطنًا قيد التّدمير والتّكوين،

حتى آخر اللّولبة التي قد لا تنتهي،

وطنًا قد يموت أحيانًا،

لكنّه لا يموت!

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment