bah انفجار ٤ آب بعد خمس سنوات: بيروت لا تنسى… والعدالة لا تولد - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

انفجار ٤ آب بعد خمس سنوات: بيروت لا تنسى… والعدالة لا تولد

08/03/2025 - 17:55 PM

absolute collision

 

 

 

بقلم الإعلامي كريم حداد

 

خمس سنوات مضت على الانفجار الذي غيّر وجه بيروت، لا بالمعنى العمراني فقط، بل في عمق الوجدان اللبناني. لم يكن الرابع من آب 2020 مجرّد تاريخ في الروزنامة، بل لحظة انفجرت فيها الحقيقة المُرّة: دولة غائبة، مسؤولية ضائعة، وعدالة مفقودة.

انفجار المرفأ لم يدمّر منشأة حيوية فحسب، بل زلزل أسس الوطن، واقتلع أرواح الأبرياء من بين أهلهم، وترك العاصمة معلّقة بين الركام والرجاء، بين الصدمة والغضب، بين النكبة وانتظار القصاص.

صرخات الأهالي لا تزال تملأ الساحات، فيما الدولة تلوذ بالصمت أو تتلطّى خلف حصاناتها. خمس سنوات تمرّ والعدالة لا تزال أسيرة التجاذب، والمحاسبة تُدار كملف سياسي لا كقضية إنسانية وحقوقية.

إنه الانفجار الذي لم يُسمع صداه فقط في مرفأ بيروت، بل دوّى في قلب كل بيت لبناني، وحفر ندبةً لا تندمل في الضمير الوطني. وما زالت الحقيقة تائهة، والعدالة معلّقة، والمحاسبة مؤجلة… إلى متى؟

الزمن مرّ، لكن الجرح ما زال مفتوحًا، والذاكرة تنزف، والأسئلة تزداد ثقلاً وإلحاحًا: من فجّر؟ من خزن؟ من سكت؟ من غطّى؟ ومن يمنع العدالة إلى اليوم؟

جريمة بحجم وطن

ما جرى في الرابع من آب لم يكن حادثًا عرضيًا. بل كان جريمةً موصوفة، شهد عليها العالم، وأبكت أممًا. 2750 طنًا من نيترات الأمونيوم تُركت في أحد عنابر المرفأ لأكثر من سبع سنوات، وسط تحذيرات أمنية وتقارير متكررة، لكن أحدًا لم يتحرك.

النتيجة؟ أكثر من 220 ضحية، آلاف الجرحى، عشرات آلاف المتضررين، ومدينة لم تتعافَ.

الضحايا… في الانتظار

الذين رحلوا ما زالوا يسكنون وجدان هذا الشعب، لكن أهلهم لم يحصلوا بعد على أبسط حقوقهم: الحقيقة والمحاسبة.

كل عام يمرّ، وتُقام المسيرات، وتُرفع صور الشهداء، وتُضاء الشموع، لكن العدالة لا تزال في العتمة.

الناجون من الانفجار يعيشون ألمًا يوميًا مضاعفًا: جراح الجسد، ومرارة التجاهل، وسيف النسيان الذي يلوّح به البعض باسم “الواقعية السياسية”.

تحقيق مجمّد وعدالة مقيّدة

القاضي طارق البيطار، الذي حاول كسر جدار الصمت وإحياء الأمل بتحقيق مستقل، بقي مكبّلاً بدعاوى الرد والتعطيل والضغوط السياسية. ورغم إعادة إطلاق يده جزئيًا في 2023، اصطدم لاحقًا بقرارات سياسية وقضائية هدفت إلى وقف اندفاعته.

لكن الشعب لم ينسَ. والذاكرة الجمعية لا تزال تُحمّل الطبقة السياسية مسؤولية العرقلة، من وزراء ومسؤولين وأمنيين، إلى رؤساء الحكومات المتعاقبة الذين لم يضعوا التحقيق ضمن أولوياتهم.

العدالة من داخل القضاء اللبناني

نحن لا نبحث عن حلول مستوردة ولا عن عدالة تأتي من الخارج. نريد من القضاء اللبناني أن يستعيد دوره، وأن يُثبت قدرته على كسر القيود السياسية، لأن لبنان كان دائمًا يملك قضاةً مشهودًا لهم بالكفاءة على مستوى العالم.

لطالما لعب القضاة اللبنانيون أدوارًا محورية في المحاكم الدولية، وكان آخرهم رئيس الحكومة الحالي، الذي شغل في السابق منصب رئيس المحكمة الدولية . فهل يُعقل أن يعجز هذا البلد عن تأمين العدالة في جريمة حصلت على أرضه، وذهب ضحيتها أبناؤه؟

نطالب القضاء اللبناني بأن يكون على قدر المسؤولية، وبأن يضع القضية حيث تنتمي: في قاعات المحاكم لا في زواريب السياسة، وأن يُكمل القاضي البيطار مهمته بلا عراقيل، مستندًا إلى الغطاء الذي وفّره وزير العدل من خلال إنجاز التشكيلات القضائية في وقت قياسي، ورفضه لأي تدخل سياسي في التحقيق.

صرخة بعد خمس سنوات

في الذكرى الخامسة، لم تعد المطالبة محصورة بكشف “من فجّر”، بل باتت شاملة: من سكت؟ من تستّر؟ من عرقل؟ ومن تاجر بدماء الأبرياء؟

نأمل أن يتحوّل هذا الوجع الوطني إلى قوة تغيير، وأن يُترجم الغضب إلى وعي سياسي، والدموع إلى محفّز دائم نحو المحاسبة.

بيروت باقية… وتطالب بحقها.

بيروت لم تمت في 4 آب… لكنها تغيّرت.

اليوم، وبعد خمس سنوات، نرفع الصوت مجددًا: لن ننسى، لن نساوم، ولن نسكت. العدالة ليست ترفًا، بل حقًا مقدّسًا. والسكوت عن الجريمة… جريمة أكبر.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment