bah أبلسة التعليم وإفشال الجيل - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

أبلسة التعليم وإفشال الجيل

08/05/2025 - 16:41 PM

absolute collision

 

 

 د. خالد زغريت

الضحك نمط تعبير عن تفكير إنساني عابر للغات، فمنه ما هو تعبير ناقد ساخر، ومنه ما هو تعبير عن صلة رحم مشاعر وعواطف، وعلاقات اجتماعية ودية. ومنه ماهو ترفيهي.وبين ذاك وهذا أضحكني قول أحدهم تقولون : القهوة عربية، والحقيقة أن البن برازيلي، والزعفراني إيراني، والهيل هندي و الفنجان صيني، فمن أين يا ترى جاءتها العربية؟. هذه الطرفة تذكرنا بالمثل القائل " شَكَّار نفسَه إبليس."

ما أقل حيلتنا نحن العرب في اللحاق بركب الحضارة، ما زلنا نتعلم من حكوماتنا أن الحضارة المعاصرة ناقة شيطان مَن يمتطيها لا تنيخ به إلا بوادي الشياطين، فضلاً عن سرعتها التي تفوق حصان امرئ القيس الذي قال: يزل الغلام الخف عن صهواته/ ويلوي بأثواب العنيف المثقل،فهي تسقط مَن يمتطيها إن كان خبيراً أو جاهلاً، ولذلك هي خوفاً على شعوبها أن يسقط عن ظهر الحضارة وتتشوه خلقهم، يمنعون تلك الشعوب من ذلك الركب.

ما أقل حيلنا بركب ناقة الحضارة وما أكثر أبلستنا لركبها. وإذا كانت كل أبلستنا، أو نصفها ناشئة فينا مما زرعته سلطاتنا السياسية فينا من غير أن تقصد. وهي تتأبلس في الضحك منا، لتزجنا في زريبة سلطانها. ومن عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم وفيهم كما يقول المثل، فنحن تعلّمنا الأبلسة وتفقّهنا بها من أولياء أمورنا السياسيين. ويكاد يكون أهم ينابيع أبلستنا صادراً عن منظومة التعليم والتربية التي يراها حكّامنا تربيةً أمينة لبقائنا في أسر تقديسهم. والنظر إليهم بوصفهم خيراً لنا، إن لم يكونوا خيرنا، مرددين قول معاوية: (لست بخيركم لكني خير لكم ).

 هم أبلسونا بالتعليم، ونحن نؤبلس الجيل، فنردد: هذا جيل فاشل. وعذراً ممَن يرى كلمة (فاشل) تعني الضعف لا الخيبة، فإننا نرى الخطأ الشائع أنسب من الفصيح المهجور، لأن العرب تعيش في عقل مهجور حضارياً. والضعف سبب الخيبة والإخفاق، وهذ يعني صواب دلالته السياقية عنهما.

في تعليمنا المؤبلس انسجاماً مع أبلسة أولياء أمور التعليم، نتهم بعض الجيل بأنه غير صالح للتعليم. ونتجاهل القاعدة الخالدة في التعليم التي تقول: لا يوجد متعلّم غير صالح للتعلّم، إنما هناك تعليم غير صالح للتعلّم. وهو التعلّم الذي يؤسس له إستراتيجياً لمجتمعاتنا لتبقى فاشلة.

 ولذلك نقول بأبلسة ومن غير أبلسة: ليس الجيل فاشلاً، بل هو يُفَشّل.

تشهد كل الأمم التي تسبقنا بآلاف السنين الضوئية إنسانياً اجتماعياً علمياً تقنياً حضارياً، أن أبناءنا الذي هاجروا إليها يضاهونهم في التعلّم، ومنهم من تفوّق على أبناء جلدة تلك الأمم السابغة عليها الحضارة.

لا توجد في منطق التعليم والتعلّم أجيال فاشلة. توجد أساليب تعليم فاشلة أو غير ملائمة. وإدارة تعلّم وتعليم فاشلة أو غير مناسبة، أو مناهج تعليم فاشلة أو غير فعّالة. أو بيئة اجتماعية فاشلة أو غير مجدية. أو مناخ تعليم فاشل أو غير منتج. أو إرادة تعلّم فاشلة أو غير مفعلة.

 والمتعلّم الذي لا يملك إرادة تعلّم ليس هو الفاشل في بناء إرادة التعلم في شخصه. إنما المعلم فاشل في تكوين إرادة التعلّم عند المتعلم. وإزالة رواسب فهمه لحقّ التعلّم وعدالته في تحصيله، والبيئة هي التي تروّج لبئس عدالة حقّ المتعلم، وتكوين رغبته التي تشكل نسيج إرادته.

العملية التعليمية مركبة، لكن هي المسؤولة عن النجاح والفشل، وهي التي تولد المناخ لفساد مكوناتها وفلسفتها وأسلوبها وإيديولوجيته التي تسرق إشراق المستقبل المفتوح على فضاء متجدد من التطور لصالح مكتسبتها الآنية، هي المحبط الأول لمنطق العلم والتعلم.

 ما الذي فعله الأعراب والعرب والمستعربين في تنشئة هذا الجيل، لقد نحتوا في كل مساحة مخه منذ الصغر بكل الإبر: من جد وجد ومن سار على الدرب وصل. وعلى أرض الواقع رأى أن الكسيح إن كان ابن منتفذ يفوز بمارثون القفز على حواجز القيم وهو البطل، فكفر الجيل بالحكمة والأمل

 أمس فرضوا عليه أن يتبرع بثمن حليبه وألعاب طفولته لصندوق تحرير القدس، واليوم ذاتهم الذين كانوا يخونونه إن لم يحفظ كتاب القومية، والشيوخ الذين كانوا يكفرونه إن لم يحفظ الآيات التي تحث على الجهاد لتحرير فلسطين، يشيطنونه إن لم يعتذر من عدوان العرب على أهل السلام الإبراهيمي. وفي وطأة هذا التناقض الذي لا ينتهي في حياة هذا الجيل عليه أن يصوغ فشله بيديه.

على مَن يُفشل جيلاً ألا يسأل من أين سيأتي الوباء والفناء للأمة.

ملاحظة عذراً من نجاري توابيت النحو العربي، أعرف أن كلمة فشل تعني الضعف لا لإخفاق، لكنها تأتي في سياق تدل على الضعف الذي يؤدي إلى الإخفاق والخيبة، وبقية الخشب بعمر نحوكم

إشارة لا أهمية لها: وحدهم ناقصو العلم لا يفرقون بين مصطلحي إدارة التعليم وإدارة المؤسسة.

 

* كاتب سوري

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment