الاب الدكتور نبيل مونس *
في زمن الزلل، حيث غرقت الخليقة في مستنقعات الدم والعنف والقتل، يتبدّى التاريخ البشري كمخطوطة حُفرت عليها سيطرة الشهوة والموت، ليس فقط في السلطان، بل في الشريعة أيضًا.
لكن أرض لبنان ليست كسائر الأراضي، فهي تحتضن آثار الإنسان منذ البدء، وعلى ترابها مشى المسيح المخلّص، وفوق جنوبها تحققت مواعيد الرسالة والخلاص، بوجه مريم، أم يسوع، أم المخلّص، أم المراحم، سيدة لبنان.
هي النعمة الفائقة، النقية، البريئة، التي دعست رأس الحية منذ سفر التكوين حتى سفر الرؤيا. وما نقوله ليس وليد اندفاع عاطفي روحي، ولا نتيجة تشبّث عقائدي أو ديني، بل هو ثمرة ملاحظة متبصرة وقراءة موضوعية لأحداث حقيقية، جرت على أرض الواقع، في أشد الأزمنة ظلمةً وأصعبها.
دعونا لا نذهب بعيدًا. فلنقرأ معًا ما حدث عام 2006 كما تنقله المصادر العلمية الموثوقة:
وحين نتأمل في تاريخ وقف إطلاق النار وتاريخ نهاية الاجتياح، تبرز أمامنا رمزية مريمية مذهلة:
14 آب، عشية عيد انتقال العذراء مريم.
8 أيلول، عيد مولد مريم العذراء.
تواريخ لم تُنتقَ عشوائيًا، بل هي أعياد ثابتة منذ قرون، منسوجة في نسيج التقويم الليتورجي، لا تتبدّل لا بحسابات القمر ولا الشمس.
وهنا، تطل شهادة الناسك يوحنا خوند، الذي لم يكن يعلم شيئًا عن مجريات الحرب، لكنه حين سُئل أجاب بصفاء الأنبياء:
"الاعتداء على لبنان سيتوقف قبيل عيد الانتقال".
وهكذا كان.
أيها الأحباء في لبنان وفي العالم، إننا جميعًا نطلب السلام، نبحث عن العدالة، نتوق إلى الحرية والحق. لن أقدم لكم شعارات زائفة، ولن أغشي أبصاركم بعبارات منمّقة أو خطابات مفخّمة، ولن أطفئ بريق ضمائركم بالخوف أو التهكم.
إن للبنان سيدة تكلؤه بعينيها، وتلفّه بزنار النعمة، وتغطيه بعباءتها، وتلملم جراح أبنائه، وتمسح دموع المظلومين والمحرومين فيه. وهي لا تُقصي أحدًا، بل تغمر الجميع بنعمها.
فلنعد إلى أحضانها، فهناك الوحدة، وهناك القوة، وهناك المقاومة الروحية، الغالبة دومًا، المنتصرة أبدًا، مهما تبدّلت الأنظمة أو تقلبت الأحوال.
لنلتجئ من جديد إلى ظلّ حمايتها، ففي فاطمة أعلنت العذراء أمام الملأ:
"النصر النهائي سيكون لقلبي الطاهر".
وهو القلب ذاته، الذي يسهر على لبنان.
* الاب الدكتور نبيل مونس-راعي ابرشية سيدة لبنان المارونية في ولاية اوكلاهوما الأميركية
Comments