بقلم: فادي زواد السمردلي
#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال
* المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.
في بعض البيئات الإدارية، نشهد دورة مألوفة تتكرر بلا كلل أو ملل فتُعقد الاجتماعات، يُوزّع الحضور أوراق العمل، تُدوّن الملاحظات، وتُرسم الخطط بخطوط واضحة ونقاط محددة، تُنظّم وتُرتّب بطريقة تبعث على التفاؤل والإعجاب فيظهر الجميع بمظهر المهتم، يتحدثون بلغة مفعمة بالحماسة، يناقشون أدق التفاصيل وكأن التنفيذ بات قاب قوسين أو أدنى ولكن، ما إن يُغلق باب القاعة، ويغادر الجميع، حتى تبدأ الخطط بالتلاشي البطيء، وتتحوّل تلك الأوراق إلى مستندات أرشيفية تُركن في الأدراج، تنام نومًا عميقًا، بلا متابعة، وأحيانًا بلا نية حقيقية لإيقاظها مجددًا.
ما يحدث خارج قاعة الاجتماعات غالبًا لا يوازي ما حدث داخلها من جدية ظاهرية وتنظيم شكلي فنحن لا نعاني من ضعف في التخطيط بقدر ما نعاني من فشل متكرر في التنفيذ نُتقن لغة التنظير ونبرع في تحليل القضايا، لكننا نتهاوى عند أول خطوة فعلية وتتحوّل المهام الواضحة إلى بنود منسية، وتفقد الاجتماعات معناها وتصبح طقسًا شكليًا نمارسه دون قناعة بجدواه والأسوأ أن البعض بات يتفاخر بعدد الاجتماعات التي حضرها وعدد الملفات التي حررها، في حين أن نتائج كل ذلك لا تُقاس بالأعداد، بل بحجم الإنجاز على الأرض، وهو غالبًا غائب أو باهت لا يُرى.
في هذا الواقع، تبرز سوء الإدارة كعامل رئيسي في ترسيخ هذا النمط العقيم فلا يمكن إلقاء اللوم على الأفراد وحدهم، لأن البنية الإدارية نفسها كثيرًا ما تفتقر إلى أدوات المساءلة الفعالة، وتفتقد إرادة التنفيذ الجاد فالإدارة التي ترضى بالمظاهر وتُهمل الجوهر، التي تكتفي بالأرقام وتغضّ الطرف عن النتائج، هي إدارة تُغرق مؤسستها في دوامة تكرار لا تقدم.
الخلل يتجذر عندما يغيب الحس القيادي الحقيقي، ويحل محله مديرون لا يحاسبون، ولا يُتابعون، ولا يملكون الشجاعة لربط القول بالفعل ففي بيئات كهذه، يُكافأ المتحدثون لا المنجزون، ويُرفع من يُجيد التجميل لا من يُحسن التحليل والتنفيذ وبدل أن يكون العاملون "أعضاء" فاعلين ومسؤولين، يُختزل دورهم إلى "موظفين" ينفذون الحد الأدنى ويكتفون بالامتثال.
الأدهى أن هذه المنظومة الإدارية الضعيفة تنتج جيلاً جديدًا مهيّأ للامتثال بدل الإبداع، وللتسليم بالأمر الواقع بدل تغييره فمن يُبادر يُحبط، ومن يُخلص يُستنزف، ومن يُطالب بنتائج يُتهم بالتعقيد وتدريجيًا، تُخمد الروح، وتُهمّش الكفاءات، ويُصبح مجرد الحضور الشكلي والتصفيق للعرض هو المؤشر الوحيد للنجاح.
ولأن الإدارة هي من تملك القرار، وهي من تُوجّه بوصلة الأداء، فإنها – شئنا أم أبينا – تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية فلا يمكن إصلاح الأداء دون إصلاح الإدارة، ولا يمكن رفع الإنتاجية دون كسر وهم الاجتماعات الذي أصبح يُستغل كغطاء مريح للفشل التنفيذي غإدارة بلا مساءلة، وقرارات بلا متابعة، وخطط بلا تنفيذ، هي وصفة أكيدة للفشل المؤسسي المتراكم.
ختامًا، فإن هذا الطرح لا يُوجَّه إلى شخص بعينه، ولا إلى جهة محددة، بل يسلط الضوء على ظاهرة عامة باتت تلامس بعض من المؤسسات في محيطنا، وآن الأوان لفتح النقاش حولها بصدق وشفافية، لأن التجميل المؤسسي لم يعد ينطلي على أحد، والواقع لا يتغير ما لم نواجهه كما هو، بلا تحريف ولا مواربة.
Comments