كتب الاعلامي جورج ديب
بتكليف من مجلس الوزراء في الخامس من آب 2025، شرع الجيش اللبناني في تنفيذ خطة وطنية متكاملة تهدف إلى الحصر التدريجي للسلاح بيد الدولة، وتطبيق القرار الدولي 1701 بكامل مندرجاته، وفق صيغة لبنانية خاصة تبتعد عن فكرة النزع الفوري والشامل للسلاح التي طرحها الموفد الأميركي توم براك، وتعتمد بدلاً من ذلك على إعادة هيكلة القدرات القتالية وتنظيم انتشار الوحدات.
القرار 1701، الصادر عام 2006، نص على وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله، واستعادة الجيش اللبناني حضوره على الحدود الجنوبية. إلا أن المقترح الأميركي الأخير، الداعي إلى نزع سلاح الميليشيات دفعة واحدة، قوبل برفض لبناني رسمي لاعتبارات تتعلق بالتوازن السياسي والحساسية المجتمعية.
الخطة الحكومية، الممتدة بين آب 2025 ونهاية 2026، رُصدت لها اعتمادات مالية لتجهيز 4,500 عنصر من وحدات المشاة والدروع والقوى المساندة، بدعم تقني أميركي يشمل الاستطلاع الجوي والاتصالات الرقمية لضبط انتشار السلاح. كما تساهم “الآلية الخماسية” – التي تضم لبنان وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا – في تمويل العتاد والصيانة.
إعادة هيكلة وتحديث تقني
تتضمن الخطة دمج قطعات الحرس الجمهوري وقوى الأمن الداخلي تحت قيادة موحّدة، وتطوير أنظمة قيادة ميدانية إلكترونية لمراقبة التحركات وتفتيش السلاح باستخدام طائرات استطلاع ISR، إضافة إلى تشكيل وحدات هندسة متخصصة بالبحث عن الألغام وتفتيش مخازن الأسلحة وضبط جودتها.
وقد بدأ الجيش منذ تشرين الثاني 2024 خطوات ميدانية في جنوب نهر الليطاني، بموجب وقف إطلاق النار الذي وافق عليه حزب الله في 27 تشرين الثاني من العام نفسه. وتشمل المرحلة المقبلة توسيع الانتشار نحو الخط المقابل للمزارع المشتركة، وإقامة نقاط مراقبة ثابتة ومتحركة على مسافة 10–15 كيلومتراً من الخط الأزرق، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
تحديات مالية وسياسية
تواجه الخطة تحديات عدة، أبرزها الضغط المالي لتأمين الصيانة وقطع الغيار في ظل الأزمة الاقتصادية، والمقاومة المحتملة من الميليشيات غير النظامية، إضافة إلى ضرورة الحفاظ على توازن العلاقة مع حزب الله، وتعقيدات التنسيق الأمني على المداخل البرية والبحرية.
سياسياً، يمثّل حصر السلاح بيد الدولة خطوة لاستعادة السيادة وترسيخ هيبة المؤسسات على كامل الأراضي اللبنانية، وإعادة رسم ميزان القوة بين الجيش والميليشيات، بما يعزز موقع المؤسسة العسكرية كممثل وحيد للقرار الأمني. إلا أن ذلك قد يضع الائتلافات السياسية أمام اختبار حقيقي، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات النيابية واحتمال إعادة تشكيل التحالفات البرلمانية.
أبعاد إقليمية ودولية
تنفيذ الخطة يعزز الثقة الغربية بلبنان، ويؤكد قدرته على التنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا وشركائه الأوروبيين، لكنه في المقابل يضع الحكومة تحت مجهر الضغوط الإسرائيلية والإيرانية حيال أي خرق للتهدئة على الحدود.
مسار تشريعي ورهانات مجتمعية
يفتح المسار التشريعي الباب أمام تعديلات على القوانين وربما الدستور لضمان احتكار الدولة للسلاح، مع تعزيز الرقابة البرلمانية على ميزانية الجيش وتأمين التمويل المستدام. كما تُعد الخطة فرصة لبناء الثقة بين المواطنين والجيش وترسيخ حضوره كمؤسسة وطنية جامعة، على أن تُحصّن من أي توظيف سياسي قد يمسّ استقلالية قراراتها.
وبقدر ما تعكس الخطة توافقاً لبنانياً مع القرارات الدولية، فإنها تشكّل اختباراً جدياً لإرادة الدولة في فرض سلطتها على كامل الجنوب، وإرساء قواعد الاستقرار الدائم على حدودها.
خلفية تاريخية – القرار 1701 منذ 2006
أُقرّ القرار 1701 في 11 آب 2006 عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان، واضعاً إطاراً لوقف الأعمال العدائية وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق، ونشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل). وعلى الرغم من تحقيق انتشار جزئي للجيش منذ ذلك الحين، فإن التنفيذ الكامل لبنوده ظل يواجه تحديات سياسية وأمنية، في ظل استمرار وجود سلاح حزب الله خارج إطار الدولة، واندلاع جولات توتر متفرقة على الحدود الجنوبية.
على مدى السنوات الماضية، تعاقبت المبادرات الدولية لدفع لبنان نحو التطبيق الشامل للقرار، إلا أن حساسية التوازنات الداخلية، والانقسامات الإقليمية، وتداخل الملف مع الصراع الإيراني–الإسرائيلي، جعلت أي مسار جذري لنزع السلاح أمراً معقداً. ومع ذلك، نجح القرار في الحد من الاشتباكات الواسعة، وتحويل الجنوب إلى منطقة مراقبة مكثفة دولياً، مع بقاء هامش مناورة للأطراف المحلية في إدارة انتشارها الميداني.
Comments