bah كيف حولت السعودية التنافس بين أمريكا والصين إلى نقطة تعادل في المنطقة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

كيف حولت السعودية التنافس بين أمريكا والصين إلى نقطة تعادل في المنطقة

08/13/2025 - 15:15 PM

بيروت

 

 

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *

 

تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في منطقة الخليج، وهي تود إعادة الاعتبار لسياسة الشراكة والتوازن في إطار النظام الآحادي القائم، مقابل وقف نطاق التنافس الجيوسياسي الصيني الذي يهدف إلى اضعاف الولايات المتحدة والتحرك نحو مركز النظام العالمي.

ترى الصين أن هناك توازن قوة قادم وهو حقيقة تتأكد مع الوقت، وسيعطيها تشكيل بعض قواعد النظام العالمي على الأقل تعديل بعضها سيفضي إلى ظهور قطب جديد للصين يمنح القوتان خيارات أكبر مما كانت عليه في حقبة القطب الواحد.

صعود العملاق الصيني يبشر ببزوغ فجر متعدد الأقطاب فرصة لتقليص الهيمنة الأمريكية الأحادية التي تغلب مصالح أمريكا على حساب مصالح القوى الإقليمية والوطنية أي يفرض الصعود الصيني نوعا من التوازن الاستراتيجي.

لكن الصين راضية ببقاء الهيمنة الأمريكية العالمية التي لا تستطيع هي تحمل تكاليفها أو تقاسم تلك التكاليف لأن أولوياتها الحفاظ على مصالحها الاقتصادية وتطوير علاقاتها التجارية مع دول المنطقة، خصوصا وأن الولايات المتحدة تمتلك حلفاء نحو 51 دولة في الأمريكيتين وفي أوروبا وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولديها 750 قاعدة عسكرية في 80 بلد، بينما الصين لديها أول قاعدة خارجية في جيبوتي وستقيم قواعد عسكرية أخرى يصل مجموعها إلى 8 قواعد من تلك الدول كمبوديا.

بكين لاعب حل محل موسكو وأبدل رأسمال الماركسي الأيديولوجي الذي كان يستهدف العقول حاربه الجميع، بينما الصين تبنت رأسمال اقتصادي يتمدد في الأسواق دون أي عوائق، فقد ارتفع الناتج الصيني من 305 مليار دولار عام 1980 إلى 1.4 تريليون دولار عام 2003 ثم ارتفع إلى 12.7 تريليون دولار عام 2017 وصل إلى 18 تريليون دولار عام 2024.

هدفت الصين التحول من أرض مصنع العالم إلى قمة التصنيع المتقدم، وحققت من أهدافها أكثر من 86%، ووضعت خطة ستكون أكبر اقتصاد في العالم عام 2050، مما أربك الولايات المتحدة، وبدأ الكونغرس الأمريكي ينزعج من تقدم الصين السريع في التقدم المتقدم، أي خرجت عن الإطار الذي رسمته لها الولايات المتحدة في أن تحقق الرفاه للغرب.

أصبح أكبر شركاء الصين التجاريين الاتحاد الأوروبي بنحو 828 مليار دولار، وحلت أمريكا ثانيا بنحو 656 مليار دولار، ثم روسيا بنحو 147 مليار دولار، فالسعودية بنحو 110 مليار دولار، وأصبحت الصين أكبر مصدر في العالم بنحو 3.4 تريليون دولار مقابل واردات 2.59 تريليون دولار، أي حققت الصين فائضا 1.1 تريليون دولار، فيما صدرت الولايات المتحدة بنحو 2 تريليون دولار مقابل واردات 3.1 تريليون دولار أي بعجز 1.1 تريليون دولار، وبعجز تجاري مع الصين 295 مليار دولار في عام 2024.

سعت السعودية للاستفادة من الصعود الصيني عالميا لتوفير شريك آخر وبضرورة فتح قنوات جديدة مع الصين، حققت السعودية من هذه الشراكة في تحقيق توازن في العلاقة بين قوتين عالميتين تلتقيان في المنطقة تستفيد من كليهما معا من خلال الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية مع تجنب الانحياز لطرف على حساب الآخر، تعتمد بشكل أكبر على أمريكا في مجال الأمن والدفاع، فيما تعتمد اكثر على الصين في مجال الطاقة التقليدية باعتبار الصين تستورد أكثر من 40% من منطقة الخليج، وفي مجالات عدة، تعززت هذه الشراكة بزيارة الرئيس الصيني شي جين ينغ في ديسمبر 2022 والاتفاق على دمج رؤية المملكة 2030 مع الحزام والطريق ما يدل على البعد الاستراتيجي الذي يأخذ بعدا اقتصاديا، باعتبار أن السعودية تحرص على علاقات اقتصادية مع الصين متينة واستراتيجية طويلة الأمد مع أمريكا، لإعادة التوازن بين الصين وأمريكا بالممر الهندي الأخضر مقابل الحزام والطريق الصيني.

استطاعت السعودية ضبط التنافس بين أمريكا والصين في المنطقة، بعد ضرب أرامكو عام 2019 الذي هدد المصالح النفطية السعودية التي تخدم أمن الطاقة العالمية، إلى جانب الحرب الروسية في أوكرانيا وحرب طوفان الأقصى في 2023
وسحب بايدن الباتريوت من المنطقة، فأصبحت سلاسل إمداد الطاقة العالمية مهدد وهو ملف تتولاه السعودية، ووجدت السعودية ان الصين الأقدر على الحد من التوسع الإيراني، رعت بكين تهدئة بين السعودية وإيران في مارس 2023 كان الحدث الأبرز لعبت دورا استراتيجيا يتخطى التوسع الاقتصادي، الذي أثبت متانة العلاقة السعودية الصينية، وهو ملف احتكرته الولايات المتحدة، لتعديل ميزان استراتيجي تغافلت عنه الولايات المتحدة بحجة التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، لكن عززت السعودية تنسيق علاقتها بالولايات المتحدة بعد طوفان الأقصى في القضايا الأمنية والإقليمية، فيما غاب الدور الصيني عن المشهد، لكن الصين دعمت إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

أثبتت السعودية بعد الحرب الروسية في أوكرانيا انها الفاعل الرئيسي في ملف الطاقة، وشريك استراتيجي للقوى الكبيرة، تلاقت التطلعات، وتقاطعت المصالح السعودية الصينية عبر التقاء رؤية المملكة بالحزام والطريق، وتقاطعت المصالح السعودية الأمريكية عبر إقامة الممر الهندي إلى أوروبا لنقل الطاقة مقابل الحزام والطريق، بل يلتقيان في السعودية، ويحققان تكاملا اقتصاديا لتنتج عنه علاقات استراتيجية أقوى وأوسع، وتعاون في ملف النفط مع روسيا.

 

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى بمكة سابقا

             Dr_mahboob1@hotmail.com

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment