الباحث: إدريس احميد *
واشنطن – تمثل القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا محطة حاسمة في مسار الحرب الأوكرانية، التي تدخل عامها الثالث وسط تغيرات ميدانية وسياسية كبيرة.
ترامب.. إنهاء الحرب وفق المصالح الأمريكية
منذ حملته الانتخابية، تعهّد ترامب بإنهاء الحرب بسرعة، متهمًا جو بايدن بـ"الغباء" وتوريط الولايات المتحدة في حرب خاسرة، مؤكّدًا أن العدو الأول لواشنطن هو الصين وليس روسيا. ومنذ ولايته الأولى لاحقته اتهامات بالتواطؤ مع موسكو.
يختلف نهج ترامب عن الموقف الأوروبي المتشدد تجاه روسيا، إذ واصلت دول الاتحاد الأوروبي تقديم دعم عسكري واقتصادي كبير لأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، ضغط ترامب على حلف الناتو لزيادة ميزانيته، واقترح فرض ضرائب إضافية، وبيع الأسلحة لأوكرانيا عبر الولايات المتحدة، مع اشتراط الحصول على المعادن الأوكرانية كتعويض عن الدعم الأمريكي.
توترات سابقة ومحاولات متعثرة
قدّم ترامب في السابق مبادرات لوقف الحرب، لكنها قوبلت بالرفض من موسكو وكييف، ما جعله في موقع لا يملك فيه نفوذًا حاسمًا على أي منهما. وتفاقم التوتر بعد تصريحات ساخرة من ديمتري ميدفيديف، قابلها ترامب بغضب وأمر بتحريك غواصتين أمريكيتين قرب السواحل الروسية.
بوتين.. تثبيت المكاسب وفتح قنوات مع الغرب
يدخل بوتين القمة وهو يمتلك أوراق ضغط قوية، أبرزها التقدم العسكري والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية. وقد يسعى لاستغلال اللقاء مع ترامب لتسجيل موقف إيجابي وإعادة فتح قنوات العلاقات مع الغرب، خاصة أن انعقاد القمة على الأراضي الأمريكية يمثل اعترافًا بمكانة روسيا.
زيلينسكي.. الرفض رغم الهشاشة
من المتوقع أن يرفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التخلي عن أي أراضٍ، إذ لا يملك سوى مواصلة الحرب في ظل هشاشة موقفه العسكري والسياسي، وهو ما يعتمد بدرجة كبيرة على استمرار الدعم الأوروبي وسط تحديات اقتصادية متزايدة.
ضغط أوروبي قبل القمة
وقبيل اللقاء، من المقرر أن يجتمع ترامب عبر الفيديو مع قادة أوروبيين، خصوصًا من ألمانيا، لمحاولة ثنيهم عن تقديم تنازلات لموسكو وطرح مقترح لتبادل الأراضي كحل للحرب. ومع ذلك، سيبقى موقف ترامب محكومًا برؤيته التي تقدم مصالح الولايات المتحدة على حساب مصالح أوروبا.
التوقعات المحتملة لنتائج القمة
تشير التقديرات إلى أن القمة قد تفضي إلى:
اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار عبر هدنة مؤقتة مع استمرار المفاوضات.
صفقة مشروطة تشمل تبادل أراضٍ أو ضمانات أمنية لروسيا مقابل انسحابات جزئية.
كما أن المفاوضات قد تعزز موقف موسكو إذا جرت على أساس الواقع الميداني، بينما يظل احتمال فشل القمة قائمًا، ما قد يدفع روسيا لتصعيد عملياتها العسكرية لاستغلال الانقسام الغربي وإضعاف الموقف الأوكراني.
الخلاصة الموسّعة لتوقعات القمة الأمريكية – الروسية
قمة ألاسكا تأتي في وقت حساس، حيث يوازن كل طرف بين الطموحات السياسية والمكاسب الاستراتيجية، مع الانتباه للتداعيات على أوكرانيا وأوروبا.
من المتوقع أن تركز واشنطن بقيادة بايدن على دعم أوكرانيا والحفاظ على وحدة الحلف الأطلسي، بينما يسعى بوتين لضمان مصالح روسيا الاستراتيجية وتأمين موقعها الإقليمي والدولي.
المشهد الأوروبي قد يشهد تذبذبًا، خصوصًا في ظل معارضة دول مثل المجر وسلوفاكيا لاستمرار الدعم المكثف لكييف، ما قد يخفف الضغط على موسكو ويمنحها مجالًا أكبر للمناورة. كما أن التقدم الروسي الميداني في بعض الجبهات قد يعزز هذا الوضع، ما يجعل الخيارات الأمريكية محدودة أو محفوفة بالمخاطر.
من المتوقع أن تبدي روسيا مرونة محدودة لا تمس مصالحها الاستراتيجية أو مكانتها الدولية، مع احتمال تبادل التنازلات إذا استمرت الحرب وأرهقت جميع الأطراف اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا. الهدف المشترك سيكون تجنب مواجهة طويلة ومكلفة، مع الحفاظ على صورة كل طرف أمام الداخل والخارج.
باختصار، القمة تحمل فرصًا للتفاهم الجزئي، لكنها مرهونة بالمتغيرات الميدانية والسياسية وبقدرة كل طرف على التوفيق بين الضغوط الداخلية والخارجية والتطلعات الاستراتيجية. استمرار الحرب يجعل التنازلات ممكنة، لكنها ستكون محسوبة ومدروسة لضمان توازن المصالح وتقليل المخاطر على المدى الطويل.
* صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي!!
Comments