وسائل "التواصل الإجتماعي" أثّرت سلباً على عمل الصحافة والتحليل الصّحافي
انطون الفتى
(أ.ي) - "السفير" بالأمس، و"دار الصياد" اليوم. إنه عالم الصحافة الورقية اللّبنانية الذي يتهاوى، تاركاً وراءه تاريخاً طويلاً من النضالات، وإرثاً تاريخياً - ثقافياً، وليس فقط إعلامياً، طبع ويطبع لبنان الحديث.
قد تُعقَد إجتماعات كثيرة، وقد تُطلَق مواقف كثيرة أيضاً، وقد تُفلح بعض الخطوات في مَنْع إقفال "دار الصياد" مرحلياً، وقد لا تنجح، إلّا أن النتيجة تبقى واحدة، وهي أن "عالم الصّحافة" بات يتقهقر كلّ يوم أكثر من السابق، لصالح "فضاء الإعلام" الرّحب، الذي يحوي ما "هبّ ودبّ"، دون التوقّف كثيراً أمام نضالات أعلام مهنة الصّحافة الّذين طوى الزّمن الكثير منهم فيما يطوي آخرين، في شكل يتقصّد ربّما جَعْل ذكرهم "غير مؤبّد".
لكنّ المُفارقة أن إقفال "دار الصياد" يأتي مُلتبِساً تبعاً لأسباب عدّة أبسطها أنه أتى صاعقاً، ودون إنذارات وقتية جديّة مُسبَقة، تضع الموظّفين في حقيقة ما يحصل ليتمكّنوا من تدبير مخارج أخرى لهم. وهو ما يُشبه الإلتباس الذي أحاط بإقفال جريدة "السفير" سابقاً، بعد حديث عن دعمٍ مالي قيل إنها حصلت عليه...
وانطلاقاً ممّا سبق، ماذا عن صروح صحافية، باتت عاجزة عن الدّفاع عن هويّاتها التاريخية ووجودها؟ والكلام على خلفية هذا السؤال لا ينحصر بـ "دار الصياد" و"السفير" فقط، ولا يقف عند جريدة "النهار" أيضاً، التي فقدت خلال السنوات القليلة الفائتة الكثير من بريقها، وأقلاماً أعطتها بُعْدها المهني الراقي التراكمي.
اكتفينا بذكر "دار الصياد" و"السفير" و"النهار"، ليس لأن باقي المطبوعات لا أهميّة لها، بل لأن تلك المؤسسات صاحبة تراث صحافي مهني كبير، لم يتمّ الإعتناء به جيّداً ، ولا حتّى الإستماتة في الحفاظ عليه، كما يجب. والأمور لا تتوقّف عند الإقفال الحسّي، إذ قد توجد أيدٍ خفيّة تعمل ربّما على "تسخيف" العمل الصّحافي، وجَعْله محصوراً بالأبعاد التكنولوجية، وفضاء وسائل "التواصل الإجتماعي" الإفتراضي، بحجّة السّرعة وعصرها، والسّير بالرّكب العالمي، فيما الوضع ليس كذلك تماماً في العالم الغربي تحديداً، حيث "الصحافة" لا تزال تحتفظ بهويّة مُختلفة عن كلّ ما يُنشر ويتمّ تداوله عبر الـ “Social Media”. وهذا ما يجعل أسئلة كثيرة تُطرَح حول إمكانية وجود من يتقصّد إفقاد لبنان وجهه الصحافي الحضاري في المنطقة عموماً، لكون المُعطيات تُظهر عدم ارتباط "التعثّرات الإعلامية" اللّبنانية بالـ "العثرات المالية" فقط...
كالمُعتاد...
أكدت مصادر إعلامية عليمة بما يجري داخل أروقة "دار الصياد" أنه "لم يتمّ إبلاغ الموظفين بإقفال الدار رسمياً، وأنهم لا يزالون يأتون الى مكاتبهم كالمعتاد، ولا أحد من الموظّفين يعلم تماماً حقيقة ما يجري".
وأشارت في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أنه "قيل إن العدد الأخير من صحيفة "الأنوار" كان سيكون يوم السبت الفائت، فيما ستبقى الصحيفة عبر "الأونلاين"، ولكن لا تأكيدات أيضاً حول إمكانية الإستمرار بالصحيفة عبر موقع إلكتروني أو لا".
وعن أوضاع الموظفين، شدّدت المصادر على أن "صرفهم من الدار يجب أن يسبقه توجيه إنذارات لهم، وهو ما لم يحصل الى الآن، فيما هم يأتون الى مكاتبهم ولكن دون أن يعملوا".
أسباب؟
ولفتت المصادر الى وجود ظروف تُحيط بإقفال "دار الصياد"، منها مثلاً أن أحفاد مؤسّس الدار سعيد فريحة كلّهم في الخارج، ولا أحد منهم في لبنان لتأمين إستمرارية المؤسسة، فيما أولاد فريحة أصبحوا مُتقدّمين في السنّ".
وحول إمكانية انتهاء الصحافة وعصرها لصالح "وسائل التواصل الإجتماعي"، قالت المصادر:"الثورة التكنولوجية تركت أثراً كبيراً على الصحافة الورقية، وعلى المطبوعات. في ما مضى، كانت كلّ سفارة ودولة تملك نحو جريدتين أو 3 في لبنان، ومن ثمّ أتت ثورة الفضائيات، واليوم ثورة وسائل "التواصل الإجتماعي" وخدمة الخبر السريع، بالإضافة الى البثّ المباشر لكلّ مؤتمر أو جلسة لمجلس النواب مثلاً... على الشاشات. فيما بقي للمقال وجوده، رغم كلّ شيء".
"تسخيف"؟
وإذ وافقت المصادر على أن "الثورة التقنية سخّفت العمل الصحافي"، أضافت:"ممّا لا شكّ فيه، أن وسائل "التواصل الإجتماعي" أثّرت سلباً على العمل الصحافي، في شكل كبير، وعلى التحليل الصّحافي أيضاً. وهو ما تسبّب في جعل عملية نقل الخبر تحتلّ حيّزاً أوسع من أهميّة عمل طبقة المحلّلين الذين يستطيعون شرح أبعاد الخبر وأسبابه".
وإذ تمنّت المصادر عودة الصحافة الى قوّتها لكونها هي التي أعطت لبنان وجهه وعزّه، قالت:"لا كلام الى الآن على تعويضات مالية في "دار الصياد"، ولم يتبلّغ أي موظف بشيء في هذا السياق. الأقاويل كثيرة حول الإقفال، ولكن لا شيء رسمياً الى الآن تمّ إبلاغه الى الموظفين".
Comments