بقلم: د. حسين الديك
تحضر كل ألوان الحياة والمواقف والقضايا المحلية والاقليمية والدولية في الحيز العام العربي في هذه الايام، ويجند لها كل الطاقات والامكانات المادية والبشرية والروحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وتفتح الجبهات وتخترق المواقع، وتسجل الانتصارات، وتفرض الهزائم، ويتباها المنتصرون، ويتباكى المهزومون، كل هذا يحدث عربيا في الحيز العام ويملأ الفضاء العربي بشتى الوانه، فهذا الحضور القوي يسجل اسمى الصور في هذه المرحلة.
الحضور العربي
في ظل هذا الحضور العربي اللافت اقليميا ودوليا، يغيب المواطن العربي، يغيب الركن الاساس في معادلة الشعب والارض والوطن، تغيب طموحات وامنيات ودعوات وهواجس واحلام المواطن العربي عن الساحة المحلية والاقليمية والدولية، تظهر الاحتفالات في القاهرة، والمؤتمرات في نيويورك، والاجتماعات في جدة، واللقاءات في الفنادق المكيفة، ويغيب الوطن ويغيب المواطن والانسان العربي؟!
نظرة الى المواطن العربي الذي يفكر كيف يستطيع تامين قوت يومه وطعام اطفاله الصغار، وكيف يستطيع توفير قسط ابنه الطالب في الجامعة ليقوم بدفع ذلك القسط، او كيف يقوم بتامين اجرة التاكسي لابنته الطالبة الجامعية التي تذهب كل صباح الى جامعتها ؟؟؟ نظرة الى الى المواطن المزارع الذي ينتظر جني ثمار محصوله من الزراعي وغيره ولكنه لا يجد سوقا لبيع ذلك المحصول الذي ينتظره من عام الى عام ليعول عليه لقضاء حاجته وسد قوت يومه وقوت عياله؟
نظرة الى الموطن العامل الذي يذهب كل صباح يحمل روحه على كفه يتعدى الصعاب ليصل الى عمله ليوفر قوت عائلته دون ان يمد يده الى الناس؟؟ نظرة الى المواطن الموظف الذي يعمل بوظيفة لا تلبي الحد الادنى من احتياجاته مما يضطر الى العمل بعد دوامه الرسمي طوال الليل ليستطيع ان يوفر ابسط مقومات الحياة لأسرته واطفاله ؟؟؟ نظرة الى المواطن الشاب الذي تخرج من الجامعة واصبح في طابور البطالة ينتظر فرج المولى في الحصول على فرصة عمل؟.
نظرة الى المواطن الذي تخرج ابنه او ابنته من المدرسة وبمعدل عال ولم يستطع ان يدرسهم في الجامعة بسبب ضيق الحال والعوز؟؟؟ نظرة الى المواطن المريض الذي لا يستطيع شراء الدواء واجراء العمليات اللازمة لشفائه بسبب الغلاء ؟؟؟ نظرة الى المواطن الفقير الذي يعيش غريبا في وطنه ولا يكاد يجد قوت يومه؟؟؟ نظرة الى عائلة اسير او عائلة شهيد قدمت الغالي والنفيس في سبيل الوطن ولكنها تعاني أقصى انواع المعاناة دون اي اعتبار لما قدمته من تضحيات؟
سوف اختلف في هذا المقال عن الاجماع العام السائد في الوطن العربي من المهيجين والمزمرين والمصفقين والمهللين والمبجلين لأصحاب المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات والندوات، واتحدث عن المواطن العربي وواقع المواطن ومعاناته اليومية، فكفى وألف كفى لهذا التوجه ولهذا الزحام والاقتتال، وليكن هناك فسحة امل ولو بسيطة لنظرة الى المواطن؟؟.
هنا استذكر قول الأسطورة محمود درويش حين قال ستنتهي الحرب، ويتصافح القادة، وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الاطفال ينتظرون والدهم البطل، لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيت من دفع الثمن.
Comments