bah طيف البشير الذي ما غاب عن لبنان - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

طيف البشير الذي ما غاب عن لبنان

10/02/2018 - 19:22 PM

absolute collision

Image result for ‫طيف البشير الذي ما غاب عن لبنان‬‎

بقلم: محمد زريق

لا يهم أن يفنى الجسد، المهم أن تبقى القضية ويبقى لبنان شامخاً على أعلى قمم العالم. أن تكون شخصاً عادياً يشبه الملايين من البشر يعني أنك ستعيش حياة طبيعية جداً بسلام وهدوء وترحل عندما يأمر الله، ولا يهم إن كنتَ فلاحاً أو سياسياً أو رجل أعمال؛ أما الغير معتاد والخارج عن المألوف هو أن تكون موجوداً في زمن الحروب والويلات فيدفعك حماسك وحسك الوطني إلى الوقوف بوجه الأعاصير والرياح العاتية، غير مبالٍ بشخصك بل يكون كل همك هو ناسك ووطنك، بهذه الكلمات يمكن اختصار الشيخ بشير الجميّل.

إنَّ الوطن الصغير "لبنان"، هو أعظم وأهم بقعة جغرافية على الكوكب الأرضي، فمن هنا انطلق الحرف وصدّرنا الأبجدية، من بيروت أم الشرائع أصبح للفكر وللعِلم موطناً، ومن على شواطينا راحت السفن الفينيقية تفتتح العالم وتربط الشعوب بالفكر أولاً والتجارة ثانياً. يُعتبر التاريخ اللبناني شاهداً على الكثير من الحقبات الزمنية والحضارية المهمة في التاريخ البشري، كما وأنَّ التاريخ اللبناني قد عرف الكثير من الرجالات والشخصيات التي أصبحت جزءاً لا يتجزء منه، ومن أبرز الشخصيات التي ترسّخت في الوجدان اللبناني هو الشيخ بشير الجميّل.

لا يمكن توصيف بشير الجميّل سوى "بالشخصية الإستثنائية"، لأنه حَمِلَ الكثير من القوة والطاقة والعنفوان والوطنية ما جعله زعيماً مشرقياً، فالتاريخ لا ينكر بأنه انطلق من قاعدة لبنانية مارونية، إلا أنَّ الظروف شاءت أن يتحول من زعيم طائفي يمثل فئة، إلى زعيم وطني يمثل الجميع، وقد تمَّ ترسيخ هذه القاعدة بشكل نهائي عندما انتُخِبَ رئيساً للجمهورية اللبنانية.

أحبَّ بشير الجميّل وطنه وقد بادله لبنان الحب. انفتح بشير على كافة الطوائف اللبنانية وقد أعلن أنه لا داعي للخوف من بعضنا البعض، إنما يجب التكاتف وأن نكون يد لبنانية واحدة موحّدة. وقد أطلق عهداً جديداً بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، أنَّ مرحلة الأزمات والحروب والنزاعات قد انتهت وعلى كل مواطن الإندماج في الدولة اللبنانية وكل من يحمل سلاحاً عليه تسليمه إلى الدولة، ابتداءاً بمن أمثّل.

على مقربة من تحقيق الحلم اللبناني الموعود وبناء لبنان الجديد، صُعِقَ الشعب اللبناني بخبر اغتيال بشير الجميّل، وذلك بعد أيام على انتخابه، ودخل الوطن في مرحلة طويلة من الحزن والأسى والتدهور امتدت إلى يومنا هذا. إنَّ وطننا اليوم ليس بالمعافى وهو مريضٌ مرضاً مزمناً لا علاج له، فالأمن اللبناني اليوم محكوم بالاتفاقات والتسويات الحزبية والطائفية والدولية، والبلد أصبح مُقسّماً طائفياً، أما عن الإقتصاد فحدّث ولا حرج.

إنَّ لبنان يعيش حالة "ما قبل البشير وما بعد البشير"، ويترحم على ماضٍ أصبحَ صعب المنال. إنَّ الله أراد أن يرحل بشير الجميّل باكراً بعد نيله للزعامة الوطنية ليكون اسمه خالداً في التاريخ ويكون الرجل الأسطوري وتظل صورة ذاك البطل الشاب محفورة في عقول اللبنانيين. هكذا هي الأحلام، جميلة ولكن من الصعب أن تتحقق، وبهذا القدر من الجمال كان الحلم اللبناني مع بشير الجميّل الذي لم تُكتب له الحياة، ولكنَّ البشير اليوم دافعاً لنا جميعاً بالإيمان بوجود وطن اسمه لبنان وعلى كلِ فردٍ منّا أن يعزز انتمائه لوطنه وأن يكون ولاءنا دائماً للبنان، لأنَّ هذه هي الرسالة التي جاء البشير ليرسلها.

لو كان بشير الجميّل بيننا اليوم، لكنّا نعيش في وطنٍ مختلف كلياً عن لبنان اليوم. فكثرة الغش والفساد والكذب والمحسوبيات وعدم احترام الدولة والقانون كلها مؤشرات على اهتراء النظام الداخلي اللبناني، وعلى وأنَّ هذا الوطن بحاجة ماسَّة إلى تغيير جذري يعيدُ ترتيب الأمور.

* كاتب سياسي وناقد إجتماعي وناشط في المجتمع المدني اللبناني ومترجم، لديه العديد من الدراسات المنشورة، وهو مهتم في السياسات الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment