– قراءة تحليلية
بقلم: فادي زواد السمردلي
#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال
المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود*
عندما يتسرب الفساد إلى قلب المنظومات، تتحول الإدارة من أداة لتحقيق الكفاءة والعدالة إلى آلية لتكريس مصالح شخصية ضيقة، ما يؤدي إلى تشوه كامل في هيكلية العمل المؤسسي ففي هذه البيئة، تصبح القرارات مشوهة بالمصالح الفردية، وتغيب المعايير المهنية والموضوعية، بينما تصبح الولاءات والمحسوبية هي المعيار الأساسي للتقدير والترقية فيجد الموظفون أنفسهم في مواجهة بيئة عمل غير عادلة، حيث يُكرم التملق والتكيف مع الفساد، في حين يُهمش الجاد والمبتكر وهذا الوضع يولد إحباطًا مستمرًا ويقلل من الدافعية الفردية، ما ينعكس على جودة الأداء المؤسسي بأكمله، ويضعف قدرة المنظومة على تحقيق أهدافها الحقيقية فيصبح دور الموظف الصالح محدودًا إلى مجرد أداء شكلي، بينما يزداد نفوذ من يتواطأ مع الفساد، لتستمر دائرة الانحراف الداخلي وتتراكم مع مرور الوقت.
تتفاقم خطورة الفساد عندما تصبح المنظومة نفسها معادية لأي محاولة إصلاح، فكل رؤية للنهوض بالمؤسسة تُعتبر تهديدًا مباشرًا لمصالح الفاسدين فتُصادر وتعدم أي جهد إصلاحي عن طريق الإقصاء أو التضييق المهني، مما يخلق مناخًا من الخوف والجمود داخل المؤسسة فالموظف الذي يسعى لتقديم حلول مبتكرة أو تحسين الأداء يجد نفسه محاصرًا، ويصبح كل نشاط إصلاحي مرهونًا بتوازن القوى داخل المنظومة وليس بالكفاءة أو الحاجة الحقيقية للتغيير ففي مثل هذه البيئة، لا تُدمر المبادرات الفردية فحسب، بل تُشل القدرة التنظيمية ككل، بحيث يتحول الإصلاح من عملية ممكنة إلى شبه مستحيلة دون تدخل خارجي أو تغيير جذري في القيادة.
على مستوى الهيكل المؤسسي، يؤدي الفساد إلى هدر ممنهج للموارد وتعطيل العمليات الحيوية، فالميزانيات والتخصيصات تُوظف لتحقيق مكاسب شخصية، بينما تتراجع قدرة المنظومة على تقديم خدمات فعالة فتنخفض الشفافية، وتتلاشى الثقة بين الموظفين وبعضهم ومع الإدارة العليا، مما يجعل التعاون الداخلي شبه مستحيل ويزيد الانقسامات والصراعات الداخلية فكل هذه العوامل تجعل المنظومة أقل قدرة على الاستجابة للأزمات وأكثر هشاشة أمام أي ضغوط داخلية أو خارجية، وتتحول الإدارة إلى أداة لتحقيق مصالح ضيقة بدلًا من كونها محركًا للتنمية وتحقيق المصلحة العامة.
من منظور الموظف، تتحول بيئة العمل إلى حقل معركة نفسي ومهني، حيث يتوجب عليه الموازنة بين طموحه المهني وقيمه الأخلاقية من جهة، ومتطلبات التكيف مع نظام فاسد من جهة أخرى وهذا الوضع يولد حالة مستمرة من الإحباط والارتباك، ويزيد احتمالية الانسحاب النفسي أو الفعلي، أو الانزلاق إلى سلوكيات متواطئة فالموظف الذي يحاول الحفاظ على نزاهته قد يجد نفسه معزولًا ومهمشًا، ما يضعف ثقافة الأداء المتميز ويُرسخ روح الاستسلام واللامبالاة داخل المؤسسة.
ويتعدى أثر الفساد حدود الموظفين والمنظومة ليصل إلى المجتمع بأسره، حيث تتراجع الثقة بالمؤسسات وتضعف العدالة، فيشعر الناس أن جهودهم غير مقدرة وأن صوتهم لا يؤثر في أي قرار فيتسبب ذلك في حالة عامة من اللامبالاة وربما رفض صامت لأي مشاركة فعالة، ويضعف الروابط الاجتماعية ويزيد من صعوبة مواجهة الأزمات أو المشاركة في التنمية وفي النهاية، يتحمل الوطن العبىء الأكبر، إذ تُهدَر الموارد وتُوظَّف لصالح الفاسدين بدلًا من خدمة خطط التنمية الحقيقية فتتراجع مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة، وتتسع فجوة التنمية، مما يجعل الوطن هشًا أمام الأزمات الداخلية والخارجية ويعيق قدرته على النمو المستدام.
إن حكم الفاسدين يحول المنظومات إلى هياكل غير فعالة ويشل قدرة المخلصين على أداء دورهم، ويغلق الأبواب أمام أي محاولات إصلاحية والنتيجة ليست مجرد هدر مالي أو إداري، بل تحول جذري في طبيعة العلاقة بين الفرد والمؤسسة، حيث يصبح العمل مجرد آلية للبقاء داخل نظام مشوه، وتتحول المنظومة إلى كيان عاجز عن التقدم والتنمية، بينما يزداد إحباط الموظف ويقل أثره الإيجابي على المؤسسة والمجتمع فالفساد في هذا السياق عملية تدمير بطيئة تبدأ من الداخل وتمتد لتشل كل إمكانية للتغيير الحقيقي والإصلاح المؤسسي، وتؤكد أن الحل يحتاج إلى بناء منظومات شفافة تدعم الكفاءة وتكافئ النزاهة وتفتح المجال لكل مخلص أن يشارك في التنمية الوطنية.
Comments