bah الإعلام الجديد وكُتّاب الصُّحُف الجديين؟!! - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الإعلام الجديد وكُتّاب الصُّحُف الجديين؟!!

09/19/2025 - 17:04 PM

Atlas New

 

 

 

مارون سامي عزّام

 

لم تكُن بداياتي في مجال الكتابة سهلة... لم أتمتَّع بـ"منطقة نشِر حرَّة"، يرعاها الفيسبوك، الذي بات "مقرًّا أدبيًّا مفتوحًا" لكل "صاحب قلم"، يكتب ما يشاء من كتابات أغلبها سخيفة، خالية من المضمون الفكري، والأفظع أنها تُسمّى بلغة الفيسبوك "منشورات"، لأنها بنظره ترويجيّة، لكي تحرر خوف هؤلاء "الكُتّاب" من الرقابة الصحفيَّة القاسية ، لذا أود العودة ثلاثين عامًا إلى الوراء، لتلك الفترة التقليديَّة، عندما كان القلم سيّاف الفكِرة الركيكة، والورقة كانت ساحة مبارزة، تتبارز فيها الكلمات على اختيار الأنسب لإضفاء جماليَّة معيَّنة على الفكرة المطروحة.

أذكر أنّي أرسلت مرة مقالًا، لإحدى الصحف الأسبوعية، وأرفقت معه صورتي، فمن الطبيعي أن يقرأه المحرر، ليقرر إذا كان يليق بالنشر أم لا، وقد تم نشره، إلّا أني حين طالعته، أصبت بالذهول والدهشة، لأن ذلك المحرر المحترم، سمح لنفسه أن يتصرف به كيفما يشاء، وتغيَّر جوهر المقال نصًا وروحًا، مما أثار غضبي، فمزقت الصفحة، ولم أحتفظ بنسخة من المقال المنشور.

الصحف ترفض مسايرة أي كاتب ناشئ، ولا تنشر مادته وصورته "البهية" التي أرسلها، لغاية "شوفوني يا ناس"، هذا يُعتبر تحطيمًا للأدب الجيد، لأنها ترفض أن يُطلَّ ذلك الكاتب على القرّاء من خلال شرخ أدبي، هذا يجعل الصحيفة دون المستوى، فتنخفض نسبة مبيعاتها. إذا أخذنا "الكاتب الفيسبوكّي"، سنراه متمسِّكًا بحصانته الافتراضيَّة، يمتلك صالونًا ميدانيًّا، فيكتبُ فيه نصًّا ما، ليجمع حوله "حاشية من المصفِّقين"، طالبًا منهم أن يُزوِّدوه بكميَّة من اللايكات، ليستمدّ منهم الإطراء المُزيَّف، ممّا يؤكِّد شعوره بالنَّقص، لعدم ثقته بنفسه وبكتابته، لذا هذا النّائب... عفوًا الكاتب، يُعتَبر ديكتاتورًا، لا يسمح لأي شخص بانتقاده، لديه أدوات قمعيَّة فعّالة، تجيز له حذف تعليقه، أو القيام بحظره.

الشخص الذي يمتلك قدرات كتابية عالية، يستطيع تلبية نداء فكرته لئلّا تهرب من رأسه، يُتقن وضع اللمسات الفنيَّة الأخيرة على أي مادة يكتبها، يبحث بطرقه الخاصة عن كلمة تهيّئ له التواصل مع فكرته بالشّكل الصحيح، كي يتفاعل معها... يكتب جملة داعبت خياله، فيضيفها إلى فكرته من أجل أن تصبح أكمل، تساعد الكاتب الحقيقي على امتلاك الحنكة الأدبية. انهيار حيطان الاستهتار على المَقدرة الكتابية للمبتدئ، ستحطِّم معنويّاته، كما لن يعود قادرًا على النُّهوض، إلّا بإعادة صياغة نَصِّة مُجدَّدًا، بحيث يكون متناسقًا.

توقُّف الصدور الورقي لمعظم الصحف، وباتت شِبِه رقميَّة، لتوفِّر تكاليف الطَّبع، ساهمت إلى حدٍّ ما بتردِّي مستوى الكتابة، لكن تبقى هناك فئة من الكتّاب الجديين الذين تحفَّظوا من هذا الإجراء الصحفي التَّعسُّفي... هناك ظاهرة سائدة، وهي نسخ النصوص من مواقع الإنترنت، فيقوم ذلك "الكاتب الفطحل" بلصقها على صفحته "الغزيرة"، وفي حال استحالته إكمال النصّ، يلجأ لاستخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدته!، فإن صياغة نَصٍّ مُشَذَّب، فيه زخم من الأفكار المبتكرة، باتت نادرة على مواقع التساهل... عفوًا التّواصُل، لأنها تحتاج إلى خبرة أدبية.

في ذلك الزَّمن الأدبي الهام، ما قبل ثورة الإعلام الجديد، كانت بعض الصحف تدعم كُتّاب حديثي العهد، أرسلوا موادهم عبر البريد العادي، أو الفاكس نادر الوجود حينها، واكبت نتاجهم الأدبي منذ بداياته، بشكل رقابي صارم، لتفادي نشر أي إبداع هزيل أو منقوص، لتكون الصحيفة منبرًا راقيًا لكُتّاب جديين تخرّجوا منها، شكّلوا مفخرةً لها، لأنها كانت أول من فتحت لهم أبوابها، ومنحتهم مساحةً على صفحاتها، هذه الفئة من الكُتّاب لم تهمهم نشر صورتهم مع مادتهم، بل اهتمّوا بالمادة المرسلة، التي اعتبروها جزءًا من كيانهم، وفردًا من عائلتهم.

الكاتب الجدِّي الذي يستطيع تخطّي مرحلة المحاولات والتجارب المضنية، سيكون قادرًا على الاستمراريّة، وهذا متعلِّق بقوّة تحمّله لعامل الزّمن، الذي سيُقرّب المسافة بينه وبين القرّاء. أقول لعشّاق الكتابة المصابين بعمى إملائي إذا جاز التَّعبير، الذين لا يميزون بين الهاء المربوطة والتاء المربوطة في آخر الكلمة، عليهم أن يقرأوا الكُتُب المفيدة، من أجل يروا زلّاتهم الإملائيَّة، فالكتابة ليست لعبة هاتفيَّة متنقِّلة، ليلهو بها أبناء هذا الجيل، لذا يتوجَّب عليهم أن يزِنوا بالميزان العقلاني أهميَّة نثرهم ومدى مصداقيَّته وتأثيره على الجمهور.

انتشار التطبيقات التعبيريّة الشَّهيرة عبر الإنترنت الهاتفي، أصبحت تُهدِّد سلامة اللغة العربيَّة، بعد أن شهِدنا "ولعًا شبابيًّا" في الكتابة غير المسئولة. وبمعنى أصح يبحث الكثير من "كُتّاب السمارت فون" عن الشهرة الفوريَّة، وكأنهم صنّاع محتوى بلا فحوى، بينما نحن لم نشعُر بقيمة ما كانت تنشره لنا الصُّحُف آنذاك، إلّا بعد فترة زمنيَّة، من خلال تقييم النّاس.

الهاوي الذي يريد أن يُشار إليه بالبنان مستقبَلًا، عليه الابتعاد عن ممارسة الكتابة خارج أجواء الجديَّة، ليتحاشى الكتابة "من قفا إيدو"، في أي مجال... معظم الكتّاب المجرِّبين مرُّوا بهذه المرحلة، واعتبروها الأهم في مسيرتهم، ووضعتهم على أولى خطوات النّجاح... أمّا بالنسبة لهؤلاء "الكُتّاب المندفعين "، فإنهم عديمي الإحساس بما يكتبون على صفحاتهم الاجتماعيَّة، نجد أسلوبهم جارح، انتقاداتهم غير مدروسة، تمسّ قصدًا بشخصيَّة اجتماعيَّة، ليخلقوا حولهم إثارة قذرة، و"نقاشات حادّة"، تخرُج عن اللياقة، من الصّالة المحرِّضة، التّابعة لمركز الإعلام الجديد.

المؤسف... أن بعض الكتّاب الافتراضيين، ما زالوا متمسِّكين بمبدأ التعبير الحر عبر مواقع التواصل، يرفضون الاستعانة بمختصٍّ أدبي، يساعدهم في بداية طريقهم، يتجنّبون نشر إنتاجهم العويص إبداعًا في الصحف. نحن نتحسَّر على زمننا الذي رضينا به، أحببنا قلَّة أدواته، تماشينا مع ظروف النَّشر، لأنّه لم يكُن مُرفَّهًا بالإنترنت، فنحن جيل ذاق طعم الانتشار البطيء الزّاحف على بطن التّروّي، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه، بعد أن شققنا بعصا أقلامنا محيط الإبداع الكبير الذي يحتوي على لآلئ من المواضيع، التي ما زالت تنير عقولنا بالأفكار.

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment