bah عقيدة إسرائيل بعد 7 أكتوبر: كسر الحدود، زعزعة التحالفات، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

عقيدة إسرائيل بعد 7 أكتوبر: كسر الحدود، زعزعة التحالفات، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط

09/19/2025 - 23:39 PM

Atlas New

 

 

 

 

بقلم شربل عبدالله أنطون *

 

من غزة إلى قطر… عقيدة إسرائيل الأمنية الجديدة تعيد رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط وتهز الثقة بالتحالفات الأميركية والخليجية.

منذ الهجوم الدموي الذي شنّته "حركة حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الأوَّل 2023، تبنّت إسرائيل عقيدة أمن قومي جديدة واسعة النطاق. عقيدة تتجاهل الحدود، وتعطي الأولوية للضربات الاستباقية، حتى لو كان ذلك على حساب سنوات من التقدّم الدبلوماسي مع حلفاء تل أبيب في الخليج العربي.

خلال الأشهر التالية لهجوم "حماس"، نفّذت القوات الإسرائيلية عمليات استهداف في غزة ولبنان، وامتدت إلى سوريا واليمن والعراق وإيران، وأخيراً قطر. أدت العمليات الإسرائيلية إلى مقتل قيادات بارزة في "حماس" و"حزب الله" وميليشيات أخرى مدعومة من إيران. الرسالة واضحة: ستضرب إسرائيل أينما كان لمنع تكرار 7 أكتوبر، حتى لو انتهكت سيادة عدة دول.

وكما قال السفير الأميركي والمبعوث الخاص توم باراك في برنامج ماريو نوفل: "بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تغيّر العالم بالنسبة لإسرائيل… والخطوط التي رسمتها اتفاقية سايكس–بيكو أصبحت بلا معنى. سيذهب الإسرائيليون حيثما يريدون، وقتما يريدون، ويفعلون ما يريدون… نقطة على السطر."

 

ضربة الدوحة: نقطة تحوّل خطيرة

محاولة اغتيال قادة "حماس" في الدوحة شكّلت تصعيداً خطيراً. فَشلَ الهجوم في تحقيق أهدافه، لكنه فجّر أزمة دبلوماسية تهدّد بتقويض مسار التطبيع، وكسر البنية الأمنية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة.

بانتهاكها سيادة قطر وتقويض دور الدوحة كوسيط، تجاوزت إسرائيل خطاً أحمر، ما كشف عن تصدعات عميقة مع دول مجلس التعاون الخليجي.

إيران سارعت لاستغلال الموقف. ففي قمة الدوحة، حذّر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قائلاً: "لا دولة عربية أو إسلامية في مأمن" من العدوان الإسرائيلي، متهماً إسرائيل بتجاهل الأعراف الدولية.

الضربة هزّت الثقة بين إسرائيل وأطراف خليجية رئيسية — خصوصاً قطر والسعودية — وهددت زخم اتفاقات أبراهيم. الأمم المتحدة وألمانيا وقادة الخليج أدانوا العملية واعتبروها "غير مقبولة"، فيما أكدت الاجتماعات الطارئة لمجلس التعاون المخاوف من تجميد أو تراجع مسار التطبيع.

 

مصداقية واشنطن على المحك

الأثر السياسي الأبرز لضربة الدوحة كان على الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فقد ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي أن نتنياهو أبلغ ترامب بالعملية قبل نحو 30 دقيقة من تنفيذها. وأضاف أحد المسؤولين الإسرائيليين: "لو أراد ترامب إيقاف العملية لفعل، لكنه عملياً لم يفعل". وقد علّق الكاتب الأميركي المعروف جون ميرشايمر قائلاً: "ترامب عملياً أسير بيد الإسرائيليين."

هذا الانطباع بأن واشنطن عاجزة عن كبح أقرب حلفائها، أقلق العواصم الخليجية. قطر، "الحليف الرئيسي لواشنطن من خارج الناتو" والمضيف لأكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، بدأت تشكك في موثوقية المظلة الأمنية الأميركية. وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ماركو روبيو حاول احتواء الأزمة بإعلانه من الدوحة أن واشنطن والدوحة "على وشك إبرام" اتفاق تعاون دفاعي موسّع.

 

أضرار استراتيجية وثغرات استخباراتية

الضربة لم تفشل فقط في إصابة أهدافها، بل أصابت قلب مشروع التقارب السعودي، وأضعفت الثقل السُنّي الموازن للنظام الشيعي المتطرف الذي يحكم إيران. كما منحت الضربة الصين وروسيا فرصة ذهبية لتعزيز نفوذهما في الخليج العربي على حساب النفوذ الأميركي.

إضافة إلى ذلك، فإن ضعف التنسيق الاستخباراتي بين إسرائيل ودول الخليج العربية يترك ثغرات تستغلها إيران ووكلاؤها عبر الهجمات السيبرانية والتجسس والعمليات السرية، ما يضعف الردع ويعقّد الاستجابة المشتركة للتحديات.

وتستعد إيران لاستغلال هذا الخلل من خلال زيادة الضغط عبر ميليشياتها المُسلّحة، وتهديد البنية الأساسية للطاقة في الخليج العربي، واستخدام حادثة الدوحة لحشد "الوحدة الإسلامية ضد إسرائيل" في حين تعمل على نزع الشرعية عن أي تقارب خليجي مع تل أبيب.

 

طريق لاستعادة الثقة

لإعادة بناء المصداقية وإنقاذ مسار التطبيع، على إسرائيل أن تتحوّل من نهج القوة المُفرطة إلى التطمين الاستراتيجي، وذلك عبر الخطوات التالية:

• تأكيد احترام السيادة: تقديم التزام علني بعدم تنفيذ عمليات على أراضي دول الخليج العربية.

• حوار رفيع المستوى: على إسرائيل التشاور مع قادة مجلس التعاون قبل أي تحرك يمس مصالحهم.

• إطلاق مشاريع اقتصادية وتقنية مشتركة: تعزيز الترابط في مجالات الطاقة والمياه والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.

• دعم إسرائيل للإغاثة الإنسانية في غزة: تخفيف معاناة المدنيين وإبداء الانفتاح على الوساطة، ووقف التدمير وقتل المدنيين الذي أصبح يخدم "حماس" فقط.

• إحياء مسارات السلام: تأييد إسرائيل لحلّ الدولتين — ولو بشروط. وإعادة دراسة الحكومة الإسرائيلية لمبادرة السلام العربية.

 

الردع يجب أن يوازي الدبلوماسية

الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية حقيقية، لكن حماية سياسات نتنياهو على حساب الدبلوماسية الإقليمية ومصداقية واشنطن تقوّض النظام الدولي القائم على القواعد. استمرار هذا النهج قد يعزل إسرائيل، ويقوّي خصومها، ويدفع نحو إعادة اصطفاف استراتيجي يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط.

باختصار، نجحت عقيدة إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول في ضرب أذرع إيران المسلحة في بعض الدول العربية، وفي تلقين النظام الإيراني درساً قاسياً على أرضه. لكن توسع شهية نتنياهو الحربية نحو دول الخليج العربية يُشّكل مقامرة قد تؤدي إلى قلب المعايير الإقليمية رأساً على عقب.

تهدف عقيدة الأمن القومي الجديدة لمنع هجوم كارثي جديد على إسرائيل، إلا أن توسع نتنياهو بمفهوم أمن بلاده القومي سيؤدي للاستمرار في خرق القانون الدولي، مما سيضعف اتفاقات أبراهيم، ويقلّص النفوذ الأميركي، ويمنح إيران مساحة أوسع في المنطقة. التحدي الآن هو في إيجاد توازن بين الأمن والدبلوماسية، قبل أن يشهد النظام في الشرق الأوسط المزيد من التصدع.

 

** الإعلامي شربل عبدالله أنطون هو صحافي لبناني يتمتع بخبرة طويلة في العمل الإعلامي، خصوصًا في مجال إعداد وتقديم التقارير السياسية والاجتماعية. عُرف بأسلوبه المهني في تغطية الملفات الحساسة، لا سيما تلك المتعلقة بالشأن اللبناني والعلاقات الإقليمية والدولية.

خلال مسيرته، شارك في إنتاج محتوى تحليلي وتحقيقات معمّقة، وواكب تطورات سياسية وأمنية في لبنان والمنطقة، مع تركيز خاص على قضايا الحريات، السيادة، وملف سلاح الميليشيات. يتميّز شربل أنطون بدقة الطرح ووضوح الأسلوب، ويُقدّر لقدرته على تبسيط القضايا المعقدة للجمهور العام، دون التفريط بالعمق المهني.

كما ساهم في تغطية عدد من المؤتمرات الدولية والحوارات السياسية، وكان له حضور فاعل في المشهد الإعلامي اللبناني، من خلال مساهماته في إعداد تقارير وتحقيقات تُعنى بالشأن العام، وتسلّط الضوء على التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية في ظل الأزمات المتلاحقة.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment