بسام ضو *
يُركِّز علم المالية ويُصِّرْ على أنّ إعداد موازنة مالية منتجة وناجحة للدولة يبدأ بتحديد الأهداف المالية الواضحة وجمع كل البيانات البيانية السابقة ومن ثمّ تقدير الإيرادات والمصاريف منها الثابتة والمتغيِّرة وذلك بناءً على مؤشرات السوق والبيانات التاريخية للسنوات السابقة. ومن المفترض وفق مبادىء العلوم المالية التركيز على ما يُعرف ب"حصر النفقات وتحديد الفجوات بين الدخـل والمصاريف" وبناء عليه يجب مراجعة الأرقام وتقييم واقعيتها... كل هذه الثوابت لا تحصل ولا تُعار أي أهمية في النظام السياسي – المالي اللبناني.
إنطلاقًا من دراسة قانونية أعدّتها لجنة "الدراسات المالية في مركز PEAC" خلُصتْ إلى ما يلي وبصورة مقتضبة " لكي تتمكّن المالية العامة في الجمهورية اللبنانية من تحقيق أهدافها يجب أن تتمكّن من إدارة مواردها المالية بشكل سليم وصحيح وعلمي وموضوعي فعّال، وهذا ما تُساعدها الموازنة على تحقيقه لأنها عملية حصر لكل المصادر والموارد التي يمكنها تحقيق دخـل لمؤسسات الدولة مع تحديد النفقات الواجب سدادها خلال فترة الموازنة..."
الموازنة في علم المالية هي بيان تقديري مستقبلي مبني على قواعد علمية مستند لجميع الأنشطة الخاصة بالدولة والغرض منها تحديد النتائج المالية المحتلمة ومتطلبات الموارد اللازمة وحجم الأموال المطلوبة لتغطية هذه الموارد لتحقيق الأهداف المُرادة ومقارنتها بالنتائج الفعلية. في مصادر علم المالية يُعد إعداد الموازنة جزءًا حيويًا من التخطيط والإدارة المالية وتشمل جمع البيانات عن الموازات السابقة والحالية، التوقعات والتنبؤات، وضع العوامل الداخلية والخارجية في الحسبان، إشراك القطاعات المنتجة والمستثمرين الرئيسيين، تطوير خطة التوزيع المالي، مراجعة وتحليل البيانات، إعداد تقرير الموازنة تنفيذ ومراقبة الموازنة.
من حيث أهمية الموازنة في علم المالية أنها تدير الموارد وتخصصها، توّجه وترسم الإطار العام، إتخاذ القرارات الحكيمة التتبُّع والمراقبة، تقليل المخاطـر المالية وتعزيز الشفافية. كما يشمل تقدير الموازنة عدة محطات وعناصر رئيسية مثل الإيرادات، النفقات، الفترة الزمنية، الإفتراضات والإسقاطات، التكاليف الثابتة مقابل التكاليف المتغيرة. ومن أهداف الموازنة في علم المالية رقابة وتقييم الأداء، دعم التخطيط الإستراتيجي، تحديد الاهداف المالية والتشغيلية، زيادة الكفاءة والتحفيز، تحسن إتخاذ القرارات.
في الجمهورية اللبنانية هناك وفقًا لخبراء ماليين ولمراكز أبحاث " موازنة مالية عشوائية تفتقر إلى التخطيط والتحليل المالي وهي خطـر كبير لأنها أدّتْ إلى هـدر المال العام وسوء التصرف به، كما إنّ هذه الموازنات فشلتْ في تحقيق التوزان المالي والإقتصادي وهناك صعوبة في الرقابة على عمليات الإنفاق مما أنتج تضخمًا وإنهيارًا إقتصاديًا وفجوات مالية. إنّ الإنفاق المالي العشوائي أدى إلى تغذية العجـز في الموازنة العامة مما زاد الضغط المالي على الدولة وزاد من صعوبة معالجة المشاكل الإقتصادية ".
بكل مفاصل الأنظمة السليمة إنها تهتم بالوضع المالي وفعليًا تُنشأ البرلمانات ولجان من أجـل التشريعات المالية ووضع الضوابط اللازمة لها للموازنات العامة وجعلتها من أهم وظائف البرلمان بعد إعتماد الميزانية ومراقبة عمل الحكومة وإعتماد الحسابات الختامية للموازنات. والجدير ذكره أنّ هناك رقابة من قبل المجتمع المدني تعتني بمراقبة الحكومة في وضعها المالي جمعًا وإنفاقًا. ولكن بعد بحثنا كمركز أبحاث PEAC لاحظنا أن المالية العامة تُعاني من أزمة مديونية كبيرة وبات الرقم يفوق المئة مليار دولار دين، وهذا الرقم يفوق قيمة الناتج المحلي ونالت المديونية اللبنانية أغلبية الُأسَرْ اللبنانية وكل المجتمع اللبناني.
في معرض بحثنا كمركز أبحاث تبيّن لنا أن الإنفاق من خارج الموازنة يُشكِّل خرقًا قانونيًا خطيرًا أدى إلى مخاطر جسيمة مثل الفساد وسوء إدارة الموارد وتهديد الإستقرار المالي للدولة، كما أنّ هذا الإنفاق اللاشرعي يُعرِّض حقوق المواطنين لأخطار جمّة ومنها على سبيل المثال ودائعهم. إنّ هذا النوع من الإنفاق اللاشرعي يُعتبر مُخالف للقوانين المنظمة للموازنة العامة ويكشف عن ضعف الرقابة المساءلة، وهذا ما أدّى إلى هدر المال العام وإزدياد الديون على كاهل اللبنانيين.
كمركز أبحاث PEAC نُحذِّرْ الحكومة اللبنانية من صرف الأموال دون إقرار جداول الموازنة العامة وهذا الفِعْلْ يُشكِّلْ خرقًا قانونيًا خطيرًا يُهدِّد الإستقرار المالي للدولة، وإننا نعتبر أنّ الحكومة ملزمة بالإلتزام بالإجراءات القانونية وتهيئة بيئة مالية منظمة تضمن الشفافية وتحمي المال العام. إنّ ما يحصل ( موازنة من دون قطع حساب ) تجاوز دستوري في هذا الإطار لا يمكن السكوت عنه ويستوجب مساءلة الجميع رؤساء وزراء نواب سابقين لأنّ العدل أساس الملك.
* كاتب وباحث سياسي (أمين سر المركز الدولي للأبحاث السياسية والإقتصادية PEAC)
Comments