شربل عبدالله أنطون
العقوبات الدولية تعود بقوة… والشرق الأوسط مجدداً على حافة الهاوية
تشكل إعادة فرض عقوبات «السناب باك» الأممية على إيران لحظة مفصلية في مشهد شرق أوسطي بالغ التوتر. هذه الإجراءات – من حظر توريد السلاح وتقييد تطوير الصواريخ، إلى تجميد الأصول الإيرانية، وحظر سفر المسؤولين الرسميين، ومنع إنتاج التكنولوجيا النووية – تعكس تصاعد الإحباط الدولي من طموحات طهران النووية واستفزازاتها العسكرية في كل المنطقة. لكن، وفي وقت ما زالت فيه إيران تترنح من حرب دامية مع إسرائيل استمرت 12 يوماً، وتغرق في أزمة مالية مُزمنة، فإن هذه العقوبات قد تؤجج عدم الاستقرار داخل إيران وفي الإقليم بأسره.
العقوبات عادت… ومعها خطر التصعيد. بتفعيل آلية «السناب باك» ضد إيران، اختار المجتمع الدولي المواجهة في لحظة تبدو فيها طهران في أضعف حالاتها. والسؤال: هل سيؤدي هذا المسار إلى ضبط النظام الإيراني … أم إلى إشعال الفتيل؟
دبلوماسية في مواجهة تحدٍّ
أكدت السفيرة الأميركية دوروثي شيا، عقب التصويت في مجلس الأمن الدولي، أن قرار واشنطن «لا يغلق باب الدبلوماسية»، مشددةً على استعداد الولايات المتحدة لـ«حوار مباشر وجاد ومحدد زمنياً مع إيران – سواء قبل انتهاء عملية السناب باك أو بعدها». لكن طهران لم تُبدِ أيّ ليونة؛ إذ وصف وزير خارجيتها عباس عراقجي الخطوة (التصويت) بأنها «غير قانونية وغير مبررة»، محذراً من أن إيران «تحتفظ بحق الرد المناسب على أي إجراءات غير مشروعة».
هذا التباين الحاد بين دعوات واشنطن للحوار ورفض طهران القاطع يثير سؤالاً أعمق: هل ستدفع العقوبات إيران إلى طاولة المفاوضات بصدق… أم ستقرب المنطقة من حافة المواجهة؟
ماذا تعني عقوبات «السناب باك»؟
تتيح آلية «السناب باك»، المُضمنة في الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، إعادة فرض العقوبات الأممية تلقائياً إذا ثبت أن إيران ارتكبت انتهاكاً جسيماً. وقد فُعِّلت هذه الآلية الآن، لتعيد حزمة شاملة من العقوبات على إيران: حظر السلاح، قيود على تطوير الصواريخ الباليستية، تجميد أصول شخصيات وكيانات رئيسية، حظر السفر على مسؤولين في النظام الإيراني، ومنع إنتاج التكنولوجيا النووية.
تأتي هذه الخطوة في لحظة حرجة؛ فاقتصاد إيران منهك أصلاً بفعل سنوات من العقوبات والتضخم وانهيار العملة، وزادته الحرب الأخيرة مع إسرائيل سوءاً بعد استهداف منشآت نووية استراتيجية. هدف العقوبات هو خنق الطموحات العسكرية لطهران، وإضعاف شبكاتها الإقليمية، ووقف تقدمها النووي.
لكن التاريخ يثبت أن ضغط العقوبات وحده نادراً ما يُغيّر سلوك طهران، وقد يؤدي ذلك إلى تصلب موقف خامنئي بدلاً من تليينه. لا سيما أن النظام الإيراني اعتاد التحايل على العقوبات الدولية. واعتاد على المواجهات الكلامية مع الغرب الذي لم يشكل خطراً جدياً على استمرار نظام الملالي منذ تأسيسه.
المأزق وردّ إيران
أظهرت إيران قدرة لافتة على التكيف مع العقوبات الدولية، فوسعت إنتاجها المحلي من الصواريخ، وطورت شبكات معقدة للشراء غير المشروع والمعاملات المالية، وواصلت تعزيز ميليشياتها الوكيلة في الدول العربية وبرامجها العسكرية عبر ثغرات في تطبيق العقوبات. كما أن دعم حلفاء مثل روسيا والصين وفر لطهران مظلة حماية من العزلة الكاملة.
وما يزيد من إضعاف الموقف الدولي الموحد حيال إيران هو تنامي حدة الانقسامات العميقة داخل مجلس الأمن، حيث تعارض موسكو وبكين إعادة فرض العقوبات وتدفعان نحو تمديد المفاوضات مع إيران، ما يتيح لطهران مساحات أوسع للمناورة. في غياب جبهة دولية موحدة، قد تتحول العقوبات من أداة ضغط إلى فرصة لطهران للمناورة في عالم منقسم.
خطر التصعيد الإقليمي
خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع يزداد يوماً بعد يوم. فميليشيات إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن تبقى على أهبة الاستعداد لضرب حلفاء واشنطن وإسرائيل، التي تظل بدورها في حالة تأهب قصوى. وفي الوقت نفسه، تشعر دول الخليج العربية بالقلق بشكل متزايد، حيث أصبحت عالقة بين التحالفات المتغيرة والعمليات الإسرائيلية التي أدت بالفعل إلى توتر العلاقات بين الخليج العربي وإسرائيل.
إن استمرار إيران في تطوير الصواريخ الباليستية رغم العقوبات لا يؤدي إلا إلى تعميق انعدام الثقة وتسريع سباق تسلح هش. وفي مثل هذه البيئة القابلة للاشتعال، قد تكفي شرارة واحدة فقط ــ من ضربة تقوم بها إحدى ميليشيات إيران، أو اختبار صاروخي، أو إشارة خاطئة ــ لإشعال المنطقة بأكملها.
تجاوز الطريق المسدود
قد تعكس العقوبات عزيمة المجتمع الدولي، لكنها وحدها لن تحل معضلة طموحات إيران النووية ونفوذها الإقليمي. ولتفادي التصعيد، يجب أن يقترن الضغط الدولي بمفاوضات جادة وموثوقة تعالج المخاوف الأمنية لإيران، والتحديات الأمنية التي تشكلها إيران وميليشياتها المسلحة وبرنامجها للصواريخ الباليستية، والتحقق بدقة من أنشطة طهران النووية.
ولا تقل أهمية ذلك عن الحاجة إلى إجراءات إقليمية أوسع؛ أطر أمنية، ومبادرات للحد من التسلح، وخفض التوترات وإدارتها. فبدون هذه البنية الدبلوماسية والأمنية، يُخاطر الشرق الأوسط بالانزلاق نحو صراع جديد، صراع قد تترتب عليه عواقب وخيمة.
ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بقيادة أميركية تمتلك رؤية استراتيجية واضحة، بعيدة المدى ومتماسكة.
Comments