مجد شاهين
تزايدت في السنوات الأخيرة الاعترافات الغربية بدولة فلسطين، وهو تطور لا يمكن إنكاره على الورق، او التقليل من أهميته السياسية والقانونية، هذا يُعتبر مكسبًا سياسيًا ودبلوماسيًا للفلسطينيين، لأنه يكسر الإجماع الغربي التقليدي الداعم لإسرائيل، ويمنح القضية الفلسطينية حضورًا أقوى في المؤسسات الدولية، خاصة في المؤسسات الأممية والمحاكم.. كما أنها تُضعف من عزلة الفلسطينيين وتحرج دولة الكيان أمام الرأي العام العالمي.
لكن السؤال الأهم: هل هذه الاعترافات حقًا خطوة إلى الأمام، أم أنها مجرد فخ جديد يعيد إنتاج سيناريوهات سابقة خسر فيها الفلسطينيون أكثر مما ربحوا؟
ان هذه الاعترافات ليست خالية من الحسابات السياسية، وقد تحمل في طياتها جملة من المخاطر إذا لم يتم التعامل معها بوعي وطني واستراتيجية متماسكة.
إعادة إنتاج “حل الدولتين” كفخ سياسي
قد يستخدم الغرب هذه الاعترافات لإعادة طرح “حل الدولتين” بصيغته التقليدية، أي دولة فلسطينية على الورق مقابل دولة "إسرائيلية" قائمة بالفعل. الخطر هنا أن تتحول هذه الدولة إلى كيان منقوص السيادة، مجزأ بين الضفة وغزة، مع استبعاد القدس من المعادلة وتجاهل قضية اللاجئين، وهذا لا يعني دولة حقيقية.. و يعني عمليًا تثبيت و شرعنة واقع الاحتلال بدلًا من إنهائه.
ورقة ضغط على الفلسطينيين
الاعتراف قد يتحول لاحقًا إلى أداة ابتزاز سياسي: “اعترفنا بكم، والآن عليكم وقف المقاومة، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وقبول الترتيبات الأمنية.” أي أن الاعتراف يصبح سقفًا سياسيًا منخفضًا يفرض تنازلات إضافية.. لا خطوة نحو الحرية.
انقسام فلسطيني أعمق
الغرب قد يحصر الاعتراف بالسلطة الفلسطينية في رام الله، متجاهلًا غزة والمقاومة. و هذا بدى واضحا في خطابات و مواقف لبعض الدول و التي اشارت بان ليس لفصائل المقاومة و بالتحديد "حركةحماس" اي دور في الدولة الفلسطينية مستقبلا ..
النتيجة المتوقعة: تعميق الانقسام الداخلي، ووجود “دولة معترف بها دوليًا” لكن بلا وحدة وطنية أو سيطرة فعلية على الأرض.
التطبيع مع دولة الاحتلال بغطاء فلسطيني
كما حصل سابقا بعد الاعتراف بدولة الاحتلال و توقيع اتفاقية اوسلو اخذت الكثير من الدول بالاعتراف بالكيان بل و اقامت علاقات اقتصادية و دبلوماسية و امنية معها بحجة ان الفلسطيني نفسه اقام و وقع اتفاقيات مع الكيان.
و بذلك قد تستخدم بعض الدول هذه الاعترافات كذريعة أخلاقية للتبرير و الاستمرار في التطبيع مع "إسرائيل" بحجة أنها منحت الفلسطينيين اعترافًا متوازنًا و " انصفت الفلسطينيين " وهكذا يتحول الاعتراف إلى غطاء لتبييض صورة الاحتلال بدلًا من محاصرته و عزله .
مخاطر مستقبلية
ما جرى في أوسلو أكبر دليل..
حينها قيل للفلسطينيين إن الاتفاق هو “الخطوة الأولى نحو الدولة المستقلة”.
النتيجة بعد ثلاثين عامًا: لا دولة، لا سيادة، مزيد من الاستيطان، اقتصاد مشلول وانقسام داخلي أنهك الجميع.
الاعترافات الغربية اليوم قد تكون نسخة جديدة من أوسلو.. وعود كبيرة على الورق، مقابل واقع أكثر قسوة على الأرض.
إذا جرى تثبيت الدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 دون القدس ودون حل قضية اللاجئين، فقد يُستخدم هذا مستقبلًا ضد الفلسطينيين أمام المحاكم الدولية: “لقد قبلتم بهذا الكيان المنقوص، فلماذا تطالبون بالمزيد؟” وهذا يُشكّل خطرًا استراتيجيًا على ملفات كبرى: إغلاق ملفات القدس وحق العودة بغطاء “دولة معترف بها”.
الاعترافات الغربية سلاح ذو حدين
إيجابياتها أنها تعزز الموقف الفلسطيني دوليًا وتضعف دولة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي.
لكن سلبياتها أنها قد تُستغل لإحياء نسخة مشوهة من “حل الدولتين”، وتفرض على الفلسطينيين سقفًا سياسيًا منخفضًا لا يلبي الحد الأدنى من حقوقهم.
من هنا، يصبح المطلوب فلسطينيًا .. تحويل الاعترافات إلى ورقة ضغط قانونية عبر المحاكم الدولية و رفض أي صيغة تنتقص من القدس وحق العودة.
وقبل كل شيء، إنهاء الانقسام الداخلي وصياغة موقف وطني موحد يجعل من هذه الاعترافات خطوة داعمة للمقاومة لا بديلاً عنها.
لذلك.. على الفلسطينيين أن يتعاملوا معها كأداة تكتيكية لا كحل نهائي، وأن يتذكروا دائمًا درس أوسلو.
لا قيمة لأي اعتراف أو اتفاق ما لم يقم على وحدة وطنية راسخة وتمسك كامل بالحقوق التاريخية، وعلى رأسها القدس وحق العودة.
الاعتراف الحقيقي يبدأ عندما يعترف العالم بحق الفلسطيني في الحرية على كامل أرضه، لا بدولة على الورق تعيش تحت حراب الاحتلال.
Comments