09/24/2025 - 22:00 PM
د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
تدرك السعودية التحولات الدولية فهناك تصريح للأمير تركي الفيصل أن العالم يودع النظام أحادي القطب، يقود إلى تهاوي للنظام الدولي ينتج عنه تصاعد النزاعات، وأن واشنطن لم تعد قادرة على فرض أحاديتها، وهناك صعود الصين وروسيا والهند يعمق الاستقطابات مما يفرض تعاونا إقليميا لمواجهة التحديات، أي أن هناك فراغ بدلا من ترك هذا الفراغ تملؤه إسرائيل بعد تحجيم قدرات إيران.
السعودية جاهزة لملئ هذا الفراغ خصوصا وأنها تمتلك كل الإمكانيات لملئ هذا الفراغ خصوصا وأن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد تعهد في لقاء سابق بتحويل المنطقة إلى أوروبا الجديدة بديلا عن الأيديولوجيات التي سادت في المنطقة في الفترة الماضية وتوعد بالقضاء عليها التي كانت سبب في خلق صراعات وحروب في المنطقة.
تقود السعودية والإمارات وبقية دول الخليج تنمية اقتصادية هائلة تلتقي مع أوروبا بشكل خاص بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وفضل ترمب لقاء الأسكا مع بوتين وترك تداعيات تلك الحرب للأوربيين، فأصبحوا بحاجة إلى الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي، بعدما اتخذت أوروبا قرار وقف شراء الطاقة من روسيا، وهو ما جعل السعودية تستثمر هذه الفرصة لتشكيل تحالف مع أوروبا لإنهاء الصراع التاريخي في فلسطين نتج عن تلك الشراكة موافقة ثلثي الأعضاء في الأمم المتحدة من الأعضاء البالغ عددهم 193 لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما شكل عزلة لإسرائيل ويفرض على الولايات المتحدة الانخراط في الاجماع الدولي.
كذلك الصين بحاجة إلى الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي هي والهند فيما الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى النفط الخليجي لكنها لا تستطيع الابتعاد عن المنطقة حتى لا تستفرد الصين بالمنطقة ونحن نلاحظ مطالبة ترمب بقاعدة باغرام في أفغانستان، ، خصوصا بعدما ضمنت بكين الاتفاق بين السعودية وإيران، ازعج الولايات المتحدة وإسرائيل، وأصبحت المواجهة بين إيران ووكلائها وإسرائيل والتزمت السعودية الحياد.
لكن توجه إسرائيل إلى ضرب الدوحة في 9 سبتمبر كان له تداعياته الاستراتيجية على مصداقية الولايات المتحدة، انتفضت دول مجلس التعاون الخليجي بإقامة قمة عربية إسلامية في 15 سبتمبر 2025 كانت أهم مخرجاتها بحث دول مجلس التعاون الخليجي عن تفعيل الأمن الجماعي، ثم أتت زيارة لاريجاني للسعودية وبحث سبل توسيع التعاون السياسي والأمني والدفاعي بعد يوم من لقاء الأمير محمد بن سلمان في الدوحة مع الرئيس الإيراني مسعود بيزشيكيان، لكن اللافت في 17 سبتمبر تم توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المتبادل بين السعودية وباكستان بمظلة نووية ردعية تفرض قيود استراتيجية جديدة على عمليات إسرائيل الإقليمية.
هذه الترتيبات تمثل مكسبا استراتيجيا هادئا للصين أتت تلك الخطوة بعد رعاية بكين تهدئة بين السعودية وإيران في مارس 2023، يعطي بكين نفوذا متزايدا في منطقة تهيمن عليها الولايات المتحدة تقليديا لعقود، لكن ما حدث يعزز نفوذ الصين على حساب نفوذ الولايات المتحدة، خصوصا وأن نفوذ الصين معزز بالحزام والطريق، وجميع هذه الدول مشاركة في الحزام والطريق.
فضلت السعودية إبرام اتفاق دفاعي مشترك بمظلة نووية مع باكستان بسبب أن هناك علاقة روحية متجذرة مع باكستان منذ زمن طويل، ففي عام 1943 بحثت باكستان عن دعم مالي من أجل دعم استقلالها رغم حاجة السعودية في ذلك الوقت إلا انها تبرعت ب10 آلاف جنية إسترليني من الملك عبد العزيز لباكستان، وفي عام 1946 قدم الوفد السعودي برئاسة الأمير فيصل بن عبد العزيز عندما كان وزيرا للخارجية الوفد الباكستاني إلى العالم في الأمم المتحدة برئاسة ميرزا أبو الحسن، وفي عام 1953 زار رئيس باكستان غلام محمد الملك عبد العزيز والتقى به في قصر المربع، واستمر التعاون الدفاعي المشترك بعد ذلك وبشكل خاص في 1982 كان هناك تعاون وتدريب عسكري بين الجانبين.
وتكفلت السعودية بدعم البرنامج النووي الباكستاني، وفي فبراير 2025 عقد البلدان اتفاقية تعاون دفاعي مشترك الذي تحول إلى اتفاق شامل في 17 سبتمبر 2025 بمظلة نووية، رغم عدم الإعلان عن تفاصيلها الدقيقة، ستحصل باكستان على فوائد استراتيجية واقتصادية، وتعزز مكانتها كمركز إقليمي في مجال الأمن، وهي خطوة استراتيجية غير مسبوقة لكلا البلدين، تمثل تحولا استراتيجيا مهما.
تأتي الاتفاقية كتنويع لشراكة استراتيجية طويلة الأمد، تمنحها صفة رسمية ملزمة لأول مرة منذ عقود، يمكن ان تصبح حجر زاوية في استراتيجية الأمن الجماعي.
*أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة ام القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments