bah حَمْل الألقـاب ليس سَهلًا!! - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

حَمْل الألقـاب ليس سَهلًا!!

09/26/2025 - 14:22 PM

Bt adv

 

 

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

"مش كل مين غنّى، غنّى" هذا المثل الشعبي البسيط، ينطبق على كل من ادّعى "أنا كاتب" أو "أنا شاعر"... "أنا مطرب"، لأن حمل هذه الألقاب ليس سهلًا، سعيًا وراء مكسب جماهيري لإشباع غريزة حب الظّهور لديهم. الألقاب لها هيبتها... لها وزنها المعنوي، وقَدْرها الذي يوازي أي جائزة مادية يحصل عليها أي ممثّل أو مبدع، بعد أن ضحّى كثيرًا خلال مشواره الإبداعي الطّويل في سبيل الوصول إلى الاستحقاق المنشود، أي ليس عن طريق سمسرة أدبية رخيصة، أو على أكتاف الوساطة.

لقب كاتب: لقب جميل، ولكن مطلوب من حامليه التقرب من دنيا الثقافة الشاملة، لإثراء فكرهم، حتّى يتسنّى للكتّاب الحديثين استثمارها في كتاباتهم بصورةٍ انسيابيَّة، فقط بهذه الطّريقة المتداولة بين الكتّاب المعروفين، تبدأ وضعيَّتهم الصَّحيحة تتبلور شيئًا فشيئًا في حياتهم الأدبية... على الكاتب الجاد أن يكتسب قدرة تعبيرية مميّزة، لأن اللقب الذي يطمح إليه سيكون الموجِّه والمحفّز له على التألُّق، لأن الكلمة هي الأداة الحادة التي سيشق بها طريقه الشّاق إلى نيل اللقب. 

اليوم بات لقب "كاتب"، مستباحًا من قِبَل البعض، في عصر الإنترنت الذي يُتيح لأي شخص فشِلَ في نشر كتاباته في الصّحُف، تفادي العقبات التحريرية التي يضعها أمامه محرّرو الصّحف، من خلال لجوئه السَّهل، لموقع الفيسبوك لنشر كتاباته بنفسه كما يشاء. لجوء بعض "الكتّاب" إلى هذا الموقع، هو بهدف الانتشار الصُّوري والفوري الذي لا يؤثّر في قسم كبير من القرّاء، أمّا بالنسبة للمتطفل على الأدب، فيعتبرها "رحلة استجمام أدبية لطيفة"، إذا جاز التعبير، ليُريح دِماغَه من ضغوطات الكتابة الجيّدة ومَشَقَّتِها!!   

لقب مطرب: لقب خطير جدًا، لأنه يقف أمام جمهور مستمعين، وهو الحَكَم الأول والأخير على نجاحه... يحدِّد مستقبله من أول طلّة، لأن جمهور الأعراس "سمِّيع". "المطرب"، أصبح نادرًا، وحسب قول العملاق وديع الصّافي:" يظهر مطربان أو ثلاثة، كل مئة عام". إن الصَّوت الطَّرَبي هو القادر على أخذ المستمعين إلى عالم أصيل، فيه تجلِّي روحاني، يقنعهم بتمكنه من غناء الطرب الحقيقي.

بعض المطربين يمارسون على المسرح رياضات بهلوانيّة، ليهيّجوا جمهور الحفلات، يُغنّون وصلة من الأغاني اللبنانية أو العربيّة القديمة، التي باتت اليوم موضة، كما يحلو لهم، يُضيفون عليها كلمات غريبة من "فيض خيالهم" الرّحب!، والسّبب ليس لأن معظمهم لم يعاصروها، بل نابع من استخفافهم بالأغاني، ولا يعيدون سماعها، فيستمرّون على نهج زميلهم!!

لقب شاعر: من أرقى الألقاب وأصعبها، إنه مشروع إبداعي كبير، له خصوصيَّة كتابيَّة، لا يجوز التهاون به، وعلى "الشّاعر" التَّمكُّن جيِّدًا من بحور الشِّعِر بشكل صَحيح، لا تكفي خبرة الكاتب الأدبيَّة، بل عليه دراسة علم العَروض، ومعرفة أنواع الشِّعِر المختلفَة، يعني كتابة الشِّعِر عمليَّة صعبة جدًّا، فإذا لم يعرف كل أدواته، لن ينال شرف هذا اللقب. في هذه الأيّام الغريبة، كُثُر الذين يكتبون في سوق عكاظ... عفوًا في حسبة بيّاعي الكلام الذين أصبحوا شعراء بلاط كبريائهم، بعد أن أقنعوا أنفسهم أنّ ما يكتبونه يُنافس "زملاءهم"!!!

نرجسيَّة الهاوي هي التي منحته هذا اللقب، معتقدًا أن الكلمات التي اختارها "لقصيدته"، تناسب موضوعه، وهذا يُعتَبَر أكبر خطأ يرتكبه بحق نفسه. لا يَعلَم ذلك الهاوي أن الإجازة الشعريَّة التي حصل عليها، لا صلاحيَّة لها، غير معترف بها محَلِّيًّا، سيبقى شِعره غير مؤثِّر، بدون إجماع أهل الاختصاص. "الشاعر المستشعر" يستند فقط على رأي أهل التواصل المهلِّلين!!، ولا يجرؤ على الاقتراب من الشعراء الحقيقيين، الذين لا يعرفون التَّهاون معه، مع أنه يَعْلَم أن ما كتبه ليس إلّا "صف حكي مشعور". الألقاب هي "الفانوس السحري" الذي قد يفتح دروب الإبداع العديدة والصعبة جدًا، لمن أراد حملها. المثابرة تبقى الجليس الحقيقي، التي ستضعه على أول درجة للوصول إلى نيل وسام اللقب الرفيع، شريطة أن يضحّي من وقته وفكره في سبيل إثبات أهليَّته الأدبيَّة.

الألقاب غير مُهِمَّة على الإطلاق، لأن بعض منتحليها ينتابهم الغرور، و "هون المصيبة"، فنراهم لا يهتمون بتقديم الجديد، ويكتفون بما كتبوه من أجل الظهور، ممّا يجعل القراء يتجاهلونهم. أنصحُ كل هاوٍ أن يفهم قيمة ما يكتبه أولًا، ولو كتَب مادة واحدة إبداعية راقية في الشهر أو في السنة، الأهم أن تكون لها وزن إبداعي، فهذا كافٍ لتبدأ قيمة ذلك المُبدِع المبتدئ تتبلور بين القراء... لذلك عليه الاهتمام بالكيف لا بالكم وتقديم الأفضل والأجود قبل البحث عن ميداليّات الألقاب، فقبل حملها عليه التّأكُّد من حَمْل راية العطاء الدّائم.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment