بقلم: صالح الطراونة – مندوب بيروت تايمز في الاردن
تمرّ في حياة الإنسان لحظات نادرة تعيد ترتيب المشاعر وتستحضر من أعماق الذاكرة صوراً ظلت ساكنة في القلب. من هذه اللحظات، لقاء معالي الأستاذ باسل الطراونة، منسّق حقوق الإنسان السابق في المملكة الأردنية الهاشمية، بمعلمته أيام الطفولة خلال استضافته في برنامج "حلوة يا دنيا"؛ لقاء نابض بالإنسانية والوفاء، تجاوز حدود الشاشة ليصل إلى عمق الوجدان.
لم يكن اللقاء مجرد مصافحة بين تلميذ ومعلمته، بل كان استدعاءً لجذور الرحلة، وللأرض الأولى التي غُرست فيها بذور القيم والمعرفة. في تلك اللحظة، بدا معالي أبو إبراهيم إنساناً قبل أن يكون مسؤولاً أو شخصية عامة؛ امتلأت عيناه بالدهشة والحنين، ودمعة خجولة حاولت أن تتوارى، وكأن الزمن تلاشى ليعيده طفلاً يجلس على مقاعد المدرسة، ينصت لصوتها ويستمد من كلماتها الثقة والعزيمة.
المشهد كان عميق الدلالة، ليس على المستوى الشخصي فحسب، بل على المستوى الوطني أيضاً. فالرجل الذي أفنى سنوات طويلة في خدمة قضايا حقوق الإنسان لم ينسَ الإنسان الأول الذي ساهم في تشكيل وعيه وصقل شخصيته: معلمته. ذلك الاعتراف الصادق يختصر فلسفة كاملة مفادها أن جذور النجاح تبدأ من التعليم، وأن وراء كل إنجاز وجائزة ومسيرة مهنية، أيادٍ بيضاء غرست القيم منذ الطفولة.
لقد حمل ذلك اللقاء رسالة مؤثرة لكل الأجيال: أن الوفاء للمعلم ليس ترفاً ولا لحظة عابرة من الحنين، بل هو اعتراف أصيل بأن التربية والتعليم هما البذرة التي تنمو منها مسيرة الأمم. كان "معالي أبو إبراهيم" وهو يتحدث بعاطفة جياشة، يرسل إشارات صامتة بأننا مهما علت مناصبنا أو تباعدت خطواتنا في الحياة، يبقى للمعلم مكانة لا يوازيها شيء.
أما قناة رؤيا وبرنامج "حلوة يا دنيا"، فقد قدّما من خلال هذه المبادرة صورة حقيقية للدراما الإنسانية التي تعكس وجه الأردن الأصيل: بلد الوفاء، والذاكرة الحيّة، والعلاقة المتينة بين الأجيال. إنّ لحظة "معالي أبو إبراهيم" مع معلمته لم تكن مشهداً تلفزيونياً عابراً، بل كانت درساً جديداً في الإنسانية، أكّد من خلالها أن الإنسان هو القيمة الأولى والأخيرة، وأن كل المناصب والمسؤوليات لا تساوي شيئاً إذا لم تُبنَ على أسس المحبة والوفاء والاعتراف بالفضل.
هكذا، أعادنا ذلك اللقاء إلى المعنى الحقيقي للقدوة، وأثبت أن مشاعر الطفولة الصادقة لا تُمحى مهما مرّت السنين.
Comments