روجيه ابو فاضل *
أثار تعيين العقيد سوزان الحاج في مركز إداري داخل قوى الأمن الداخلي موجة جدل واسعة، لم تقتصر على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بل وصلت إلى أروقة السياسة، حيث طلب رئيس الحكومة نواف سلام استيضاحاً حول هذا القرار. هذا الجدل، الذي يُفترض أن يبقى في إطاره الإداري والقانوني، تحوّل سريعاً إلى ساحة للتشكيك بالقضاء والطعن بأحكامه، وصولاً إلى طرح علامات استفهام ذات بعد طائفي بيروتي لا يمكن تجاهلها.
في هذا السياق، اعتبر مصدر قضائي رفيع المستوى أنّ ما يجري من تهجّم وتشكيك بالحكم الصادر عن أعلى محكمة تمييزية عسكرية في قضية العقيد سوزان الحاج هو بمثابة إهانة للسلك القضائي برمّته، ليس فقط للقضاة الذين أصدروا الحكم، بل أيضاً لكل الضباط العدليين الذين يشكّلون جزءاً من هيئة المحكمة العسكرية التمييزية. وأكد المصدر أنّ هذا النوع من الحملات يضرب مصداقية القضاء ويزعزع ثقة الناس بالمؤسسات، وبالتالي لا يجوز السكوت عنه،.
القضية تعود إلى سنوات سابقة، عندما وضعت العقيد سوزان الحاج بالتصرف نتيجة تحقيقات ارتبطت بما عُرف بملف الفنان زياد عيتاني. يومها، أُثيرت ضجة إعلامية كبرى، غير أنّ المسار القضائي استمر حتى النهاية، وصولاً إلى صدور حكم واضح لا لبس فيه: المحكمة العسكرية التمييزية، المؤلفة من خمسة قضاة، أصدرت بالإجماع حكماً ببراءتها، وصُدّق الحكم المميز من دون أي مخالفة أو تحفظ، ما يعني أنّ القضاء الأعلى المختص قطع الشك باليقين وأعلن براءتها. وهنا تكمن نقطة أساسية: لا شيء يعلو على الحكم القضائي، وأي اعتراض أو تشكيك به هو استهداف مباشر للقضاء كمؤسسة.
لكن رغم وضوح الموقف القانوني، عادت الحملة ضد الحاج مع تعيينها مؤخراً في مركز إداري داخل قوى الأمن الداخلي. رئيس الحكومة نواف سلام، وفي إطار الحرص على الشفافية كما قيل، طلب استيضاحاً من وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي حول هذا التعيين. وهنا يطرح سؤال بديهي نفسه: هل كان هذا الاستفسار مرتبطاً فقط بجوانب إدارية وقانونية، أم أنّه يعكس في مكان ما حساسية طائفية مناطقية ؟ هل كانت الضجة ستأخذ هذا الحجم لو لم تكن العقيد سوزان الحاج ضابطاً مسيحياً مارونياً في جهاز أمني أساسي؟
إنّ طرح هذا السؤال مشروع، لأنّ لبنان لا يزال يعيش تحت وطأة المعايير المزدوجة. فالمسيحيون، كما غيرهم من المكوّنات اللبنانية، يتساءلون عن الأسباب الحقيقية وراء إثارة هذه الحملات، وهل الهدف منها فعلاً حماية القانون، أم استهداف أشخاص بعينهم من خلفيات محددة؟ وإذا كان القضاء قد قال كلمته وأعلن براءة العقيد، فكيف يمكن تفسير استمرار الحملات وكأن الحكم القضائي لا قيمة له؟
من الناحية الإدارية، لا بد من التوضيح أنّ وضع الضباط بالتصرف ليس عقوبة ولا إنهاء للحياة الوظيفية، بل إجراء مألوف يحصل لأسباب شتى، منها انتظار شغور مركز ملائم للرتبة. وقد حصل هذا مع عشرات الضباط من مختلف الطوائف والرتب، الذين أعيد توزيعهم بعد فترة. وبالتالي فإن عودة العقيد سوزان الحاج لتولي مركز إداري بعد فترة من التصرف هو أمر قانوني، طبيعي، ولا يحمل أي استثناء.
أما على المستوى التأديبي، فإن ملف الحاج ما زال مطروحاً في المجلس التأديبي، حيث كانت صدرت توصية بحقها فاستأنفتها، وما زالت الإجراءات قائمة ضمن الأطر القانونية. وهذا بحد ذاته دليل على أنّ المؤسسات تعمل وفق الأصول، وأنّ الضابط المعني له كامل الحق في الطعن والدفاع عن نفسه أمام المرجع الصالح.
لكن الخطورة تكمن في استخدام هذا الملف لتأجيج خطاب طائفي بغيض ، بدل الاكتفاء بالمسار القضائي والإداري. فالعدالة لا تُجزّأ ولا تُسيّس ولا تُطيّف، وإذا كان هناك من يرى في استفسار رئيس الحكومة مجرد إجراء إداري بحت، فهناك أيضاً من يقرأ فيه استهدافاً غير مباشر لمسيحيي الدولة ومواقعهم. واللبنانيون جميعاً، لا المسيحيون فقط، يرفضون أن تُختصر العدالة أو القرارات الإدارية في منطق الطوائف.
ويتابع المصدر القضائي فإن ما حصل مع العقيد سوزان الحاج يجب أن يُقرأ في سياقه القانوني وحده: القضاء حكم ببراءتها، والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وزّعتها وفق صلاحياتها، وأي نقاش خارج هذا الإطار هو تضليل للرأي العام وإضعاف لهيبة الدولة. أما الحملات ذات الطابع الطائفي، فهي لا تخدم سوى تكريس الانقسام وإبقاء البلد في دوامة التعصب والارتهان.
ويختم المصدر القضائي الرفيع : إلى متى سنبقى نقرأ التعيينات والقرارات بعين الطائفة لا بعين القانون؟ وهل يمكن للبنان أن ينهض طالما يُستخدم القضاء كساحة للتجاذب السياسي والمذهبي؟ إن احترام الأحكام القضائية والابتعاد عن التطييف هو المدخل الوحيد لاستعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها، وإلا فإن كل نقاش سيتحوّل إلى حلقة جديدة من حلقات الانقسام التي لا تنتهي.
كلمة ترحيب من ادارة بيروت تايمز
بكل محبة وتقدير، تتشرف إدارة بيروت تايمز باستقبال الكاتب المبدع روجيه أبو فاضل في أسرة الصحيفة، منبر الفكر الحر والكلمة المسؤولة.
إن انضمامكم إلى بيروت تايمز هو إضافة نوعية نعتز بها، لما تحمله كتاباتكم من عمق ثقافي، وصدق إنساني، ورؤية وطنية جامعة. نرحب بكم كصوت يعبّر عن وجدان الناس، ويضيء دروب الحوار، ويعزز رسالتنا في بناء إعلام يليق بلبنان والمنطقة.
نحن على يقين أن مساهماتكم ستثري صفحاتنا وتلامس قلوب قرائنا، فأنتم من الأقلام التي تكتب بضمير، وتخاطب العقل والروح معًا.
أهلاً بكم في بيت الكلمة، حيث نكتب معًا فصولًا جديدة من الوفاء، والنهضة، والرسالة الإعلامية الراقية.
Comments