bah أوراق لبنان السوداء إلى العلن - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

أوراق لبنان السوداء إلى العلن

11/21/2018 - 22:47 PM

Atlas New

 

بقلم: محمد زريق

عندما كتب جبران تويني بقلم حر كان مصيره القتل، وعندما رفع جبران خليل جبران صوته عالياً وتمرد على مجتمعه اللبناني وعاداته البالية بعد أن عاش في الولايات المتحدة وتنقّل بين عواصم الفكر أصبح منبوذاً في مجتمعه لأن هذا المجتمع لا يحبّذ التغيير، وقد تساءل جبران خليل جبران قائلاً: "أنقابل الشرّ بشرٍّ أعظم ونقول هذه هي الشريعة، ونقابل الفساد بفساد أعمّ ونهتف هذا هو الناموس، ونغالب الجريمة بجريمة أكبر ونصرخ هذا هو العدل؟"، وبعد أن جاء الامام موسى الصدر في زمن الحرب والتعصب الطائفي ليقرّب بين اللبنانيين ويحث الشعب اللبناني على تقبل الآخر والتعامل بروح الأخوّة فكان مصيره التغييب. هذه ثلاثة أمثلة عن رجال قلم وفكر ودين أرادوا إصلاح الوطن ووضعه على السكة الصحيحة، وهكذا كانت النتيجة، قتل ونبذ ونفي. ولكن أيضاً في المقلب الآخر، يذخر التاريخ الوطني القديم والمعاصر برجالات الفساد والهدر الذين استغلوا هذا الوطن خدمة لمصالحم الشخصية أو الفئوية، والغالبية الساحقة من طبقة القطاع العام اللبناني اليوم يمكن تصنيفها في هذه الخانة.

ظاهرة الفساد والغش والمحسوبية في لبنان

لم يعد من المخفي التحدث عن ظاهرة الفساد والغش والمحسوبية في لبنان، بل هذه العقلية الرجعية لم تعد بالظاهرة إنما أصبحت عرفاً لبنانياً ومن المستلزمات الحياتية الملحّة، ففي وطن اسمه لبنان قبل تأمين لقمة العيش عليك تأمين الواسطة التي ستفتح لك الطرقات وتؤمن لك حياة سعيدة، وعليك أن تكون دائماً بالأمر والطاعة للحزب والطائفة والأعلى منك. إنَّ العقلية اللبنانية هذه يمكن أن تجد لها شبيها في بعض الدول العربية أو دول العالم الثالث بشكل عام، وهكذا، فإنَّ المؤشر الأول لمدى ارتقاء وتحضر وعصرية الدولة يبدأ من مؤشر الفساد، فكلما ارتفع هذا المؤشر عليك بشكل تلقائي التفكير بأن هذا البلد يعاني من أزمات حزبية وطائفية ونفسية وليس مخولاً لوضعه في خانة الدول العصرية.

إنَّ الكثير من الكتّاب يكتبون لمجرد الكتابة أو لمنافع شخصية، أما أنا فصفتي هي ناشط في المجتمع المدني اللبناني ولستُ بكاتب ولا أبغى المنفعة من وراء كتاباتي، ربما المنفعة الوحيدة هي أملي بتغيير الواقع الذي نعيشه ولكن يبقى الأمل ضئيلاً. انطلاقاً من المبدأ القائل أهل مكة أدرى بشعابها، وبما أنني أنتمي إلى مجتمع المترجمين اللبنانيين وبما أنني لا أستطيع السكوت عن الخطأ والفساد فكيف إذا كان هذا الواقع السيئ ظاهراً للعيان وأصبح عرفاً معمولاً به، لذلك قررت كشف بعض الأوراق السوداء.

إجازة في الترجمة

بعد اضطلاعي على القوانين الأميركية والفرنسية والبرازيلية التي تنظم عملية تحليف المترجم وإعطائه الختم الرسمي للدولة، تبين لي أنَّ هناك ثلاثة شروط يجب توافرها؛ أولا، أن يكون مواطناً، ثانياً، أن يكون حائزاً على إجازة في الترجمة، وثالثاً، أن يجتاز الامتحان الذي بموجبه يتم منحه الختم الرسمي للدولة. أما في لبنان، فعليك أن تكون مواطناً لبنانياً، وأن تكون حائزاً على إجازة في الترجمة، والشرط الأساسي الغير مكتوب والذي لا يوجد نص قانوني يدل عليه هو "الواسطة"، أو التوسط مع شخص رفيع المستوى للحصول على الختم.

أنتَ تعيش في لبنان

بعد تواصلي مع جهات مختصة وشخصيات قانونية وكبار أهل البيت الترجمي، جاء الجواب موحّداً "نعم هذا صحيح .. أنتَ تعيش في لبنان". هذا الواقع المؤلم هو نفسه في القطاعين العام والخاص، والحديث في هذا الموضوع لم يعد من المحرمات لأنَّ هذا الأمر أصبح من صلب هيكلية المجتمع اللبناني. ربما لدي الكثير من الجرأة للتحدث عن هذه الأمور الغير محبذ التحدث بها، أقول الكلمة كاملة لأنني غير مرتهن لا لشخص ولا جماعة أو لحزب؛ إذا صمت فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت تكلم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت، وأنا لست ممن يرى الخطأ ويسكت، وأنا أيضاً لا أسعى أن أكونَ مترجماً محلفاً، فكلمات الغضب هذه هي للصحوة والاستيقاظ والرأفة بالأجيال القادمة، وعن أي مستقبل لهذا الوطن نتحدث ما دامت أساساته قائمة على التنفيع ومصالح الجماعة.

كلمة "لا"

إن هذا الوطن لن يتقدم أو يتطور ما دمنا نولي رقابنا لأشخاص أو جماعات ونكون مرتهنين لهم طول العمر، إنَّ أثمن ما وهبنا الله هي الحرية وإذا ما بعنا حريتنا فقد فقدنا كل شيء، وما أقبح الشخص المسلوب الحرية، بدل أن نتقبل ظواهر الفساد والغش علينا أن نقول كلمة "لا" ونتعلم أن نرفض لأن الله وهبنا العقل، وهذا العقل يتقبل الصواب ويرفض الخطأ؛ لذلك عندما تقول "أجل" للخطأ فتأكد بأنك تسير عكس المنطق والعقل، تتخذ طريق الجهل والخضوع مجبراً لأنك تبحث عن مصلحتك الشخصية وليس مصلحة بلدك.

لبناننا الجميل أرض العلم والفكر والحرية

إنني أرى الظلم كل يوم في وطني، حتى وأنا بعيد عنه، أرى الاهمال والحرمان وطريق الهدر والمحسوبيات والمصالح الشخصية. لماذا اختار الله هذه الجماعات القادمة من العصور الحجرية لتستوطن لبنان، لبناننا الجميل أرض العلم والفكر والحرية الذي شبعنا من ترابه كرامة ووطنية. لبنان اليوم لا يمثلني وللأسف، وأنني أترحم يوماً بعد يوم على لبنان جميل رحل ورحلت معه قامات وطنية عظيمة كانت تسعى إلى بناء دولة، ولكن هذه الدولة اليوم تشبه كل شيء سوى الدولة.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment