بقلم الكاتبة الصحفية : إيرينى سعيد
بعلمه الأزلى يعلم جيداً حجم الشر والذى أصاب العالم، بل والمعاناة الحقيقية والتى تجابهها البشرية، فى صورة صراعات وحروب، شملت المسكونة شرقها بغربها وشمالها بجنوبها، ومنه ومنذ ما يقرب من ألفى عام، قرر لنا السيد المسيح _ له كل المجد - سلامه فى وسطنا، حينما قال " سلامى أترك لكم، سلامى أنا أعطيكم " ( يوحنا 14-27).
لكن مع زيغان الإنسان، وتماديه فى العصيان فقد سلامه، ولم يعد يدرك النعمة أو حتى عمل على استغلالها، فجلب لنفسه المتاعب وتمكنت منه قوى الشر على اختلاف أنواعها وصورها.
تاريخ البشرية كفيل أن يسرد لنا مقدار الأزمات والتى عاشتها الخليقة منذ البدء وعلى مر الأزمان، فلعل ما نواجهه فى أيامنا هذه من كوارث وأهوال لا يحسب شيئاً، إذا تمت مقارنته بعصور الإبادة الجماعية لشعوب وأعراق بأكملها، وما صاحبها من حلقات القهر والاستبداد والتعذيب، استمرت وامتدت لفترات متجاوزة العقود.
ومع تطور الشر واستحداث أساليبه، تنوعت الحروب وابتكر منها كل ما هو جديد، حتى أصبح لدينا الحرب بالوكالة، وحروب الجيل الخامس والسادس، وغيرها من المسميات، ناهيك عن الأسلحة النووية والكيمياوية، فمن الشرق انبعثت الوهابية وخرجت علينا الجماعات والتنظيمات التكفيرية، ومن الغرب تدفقت الأموال واحتضنت الأيدلوجيات، ليظهر الإرهاب ويعد الأزمة الأكثر تعقيدا وتشابكا ليس فقط بالمنطقة، ولكن العالم بأسره.
غابت مفاهيم السلام والاستقرار، ولم يعد الحديث عنها إلا مجرد شعارات، حتى مجتمعنا الدولى سواء على مستوى الدول الكبار أو المؤسسات والمنظمات، لم يعد قادرا على القيام بأدواره، والمنوط به تنفيذها، وتراجعت فعاليته على نحو غير مسبوق إزاء التعامل مع العديد من الأزمات العالقة، وفى مقدمتها سوريا وليبيا.
فهل يعقل أن يزداد حجم الإنفاق العسكرى بالعالم ليتجاوز 1739 مليار دولار 2016_2017 ؟!، كالعادة تصدرت الولايات المتحدة القائمة ب 600 مليار دولار، تلتها الصين ب 228 مليار دولار، وذلك حسبما ذكر معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، هنا يطرح السؤال الحتمى والتقليدى، ماذا لو وظفت هذه الأموال من أجل التنمية والاستقرار ؟!، ماذا لو حاولنا من جديد ترسيخ مفاهيم السلام وثقافاته ؟!، وماذا عن استدعاء مضامين التعايش والانفتاح ومعهما قبول الآخر ؟!.
لا شك يتطلب الأمر تحرك جماعى، وفى آن واحد، أما المبادرة، فلا يؤخذ بها إلا إذا أتت من الدول الكبار أصحاب القرار والممسكين بقواعد اللعبة، عن طريق الدعوة لعقد المؤتمرات وتوقيع المعاهدات الدولية ومن ثم الخروج بتوصيات، والأهم الالتزام بتنفيذها، وحسناً فعلتها مصر، خلال عقدها المؤتمرات الدولية المتتالية للسلام بمدينة السلام شرم الشيخ، وأحدثها ملتقى سانت كاترين للسلام العالمى، والذى انطلق فى التاسع من أكتوبر العام الماضى، وجاءت أبرز توصياته مؤكدة السلام كونه رسالة الأديان السماوية، وبدونه لا أمن ولا استقرار، كما أن ترسيخه يقتضى احتران الإنسان وآدميته بغض النظر عن دينه أولونه أو جنسه أو عرقه أو لغته، والأهم حق الشعوب في تقرير مصيرها والعيش بسلام على أرضها، أبرز أيضا الملتقى أهمية السلام الاجتماعي القائم على مبدأ المواطنة المتكافئة، وإعلاء شأن الدولة الوطنية بعيدًا عن العصبيات العرقية أو الدينية أو المذهبية، مؤكدا أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له، بل هو خطر داهم على الإنسانية جمعاء، عابر للحدود والقارات، ولا أحد بمنأى عن شره، ويرتآى الملتقى ضرورة توفر الإرادة الدولية والإنسانية الجادة والحاسمة في القضاء على الإرهاب وجرائمه، كما ثمن الملتقى دور مصر القيادى رئيساً، حكومة، شعباً، ومؤسسات عسكرية وشرطية فى مواجهة هذا الإرهاب الأسود.
أخيرا نعاود مجدداً طلب السلام واستدعائه ونحن نحتفل بميلاد رئيس السلام ومؤسسه " السيد المسيح " له كل المجد والإكرام.
Comments