د. سنية الحسيني
لا تبدو قضية حل المجلس التشريعي قضية جانبية يمكن المرور عنها مروراً عابراً، لأنها تحمل في طياتها اعتبارات قانونية وسياسية، تتعلق بما وصل اليه حال النظام السياسي الفلسطيني في ظل حالة مستمرة من الانقسام، وما ترتب عليه من تردي للواقع السياسي الفلسطيني الذي يزداد انحداراً يوماً بعد يوم. وتفنيطاً سريعاً لمدى قانونية قرار حل المجلس التشريعي من قبل المحكمة الدستورية واقرار ذلك بنشره بعدها في الجريدة الرسمية، هناك عدد من الملاحظات أو البديهيات والتي لا يمكن تجاهلها.
ليس هناك أدنى شك في عدم قانونية قرارالمحكمة الدستورية العليا لثلاثة اعتبارات أساسية:
الاول: أن الأصل في القانون لا يعطي الحق لمؤسسة جاءت بالتعيين (المحكمة الدستورية) بإلغاء او تعطيل شرعية أو حل مؤسسة منتخبة من الشعب (المجلس التشريعي).
ثانياً: أن المحكمة الدستورية بقرارها حل المجلس التشريعي تناقض أساس وجوهر مهمتها، حيث أن مهمة المحكمة الدستورية في الأساس وانطلاقاً من إسمها التحقق من مدى دستورية القوانين والقرارات أي تطابقها مع ما جاء به النظام الأساسي الفلسطيني.
والأساس في الدستور الفلسطيني يعتبر المجلس التشريعي سيد نفسه، بما ينسجم تماماً مع القاعدة القانونية العامة والمتفق عليها، والتي ورد ذكرها في الملاحظة الاولى. كما أن الدستور الفلسطيني يشترط على المجلس التشريعي المنتخب حديثاً أن يحلف اليمين الدستوري أمام المجلس القديم، والتي تنهي ولايته بمجرد أن يحلف المجلس التشريعي الجديد اليمين الدستوري أمامه، كما أن على الرئيس وحسب الدستور أن يحلف اليمين الدستوري بعد انتخابه شعبياً أمام المجلس التشريعي أيضاً. فجاء قرار المحكمة الدستورية متناقضاً مع نص الدستور الفلسطيني نفسه.
وناهيك عن عدم دستورية قرار المحكمة بحل المجلس التشريعي، فان المحكمة الدستورية باتخاذها ذلك القرار وضعت البلاد أمام مأزق دستوري خطير. فهناك نص دستوري صريح يعتبر أن ولاية المجلس التشريعي لا تنتهي الا بعد استلام المجلس الجديد لمهامه بعد حلفه اليمين أمام المجلس القديم، فمن هي الجهة المخولة قانونياً الْيَوْمَ وبعد حل المجلس التشريعي التي يفترض أن يحلف المجلس التشريعي الجديد يمينه الدستوري أمامها؟
ثالثا: ليس هناك من بين اختصاصات المحكمة الدستورية نص صريح يقضي بحل المجلس التشريعي، وأقصى حدود لصلاحيات المحكمة الدستورية تجاه المجلس التشريعي تتمثل في إلغاء أو الطلب بتعديل تشريع أقره المجلس التشريعي، بعد تقديم طعن بعدم دستوريته. وفي حين تكلف المحكمة الدستورية حسب القانون وبنص صريح بالبت في الطعن بفقدان الرئيس الأهلية القانونية وفقاً لأحكام البند (1/ج) من المادة (37) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003، والذي يعتبر قرارها نافذاً من تاريخ مصادقة المجلس التشريعي عليه بأغلبية ثلثي عدد أعضائه.
إن قرار المجلس التشريعي بحجب الثقة عن الرئيس بحجة عدم أهليته غير قانوني. وجاء ذلك القرار بعدما أقره أعضاء حركة حماس في مقر المجلس التشريعي في غزة، رداً على حل المجلس التشريعي من قبل المحكمة الدستوري. إلا إن قرار حجب الثقة عن الرئيس يحتاج إلى أغلبية الثلثين لإقراره، وحركة حماس ممثلة بجميع أعضائها في المجلس التشريعي لا تمتلك قوة الثلثين اللازمة لاقرار هذا القرار.
وعودة إلى المحكمة الدستورية نفسها وظروف نشأتها في ظل حالة الانقسام الفلسطيني المتردية، فهناك علامات سؤال كبيرة تدور حول مدى شرعيتها وشرعية قراراتها. فعلى الرغم من أن قانون المحكمة الدستورية قد أقر حسب الأصول عام 2006، بعد إقراره أولاً من قبل المجلس التشريعي والتصديق عليه بعد ذلك من قبل الرئيس، إلا أن قراري الرئيس، واللذين جاءا بعد عشر سنوات من اقرار قانون المحكمة الدستورية، ونص الأول منهما على تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا بينما وضع الثاني تعديلات على قانون المحكمة، لا يحملان نفس شرعية اقرار قانون المحكمة الدستورية، وذلك لعدد من الاعتبارات:
أولها: أن قرار الرئيس القاضي بتعديل قانون المحكمة الدستورية لسنة 2017 جاء على أساس أن النظام الأساسي الفلسطيني قد أعطى الرئيس الحق بإصدار قوانين أو تعديلها بقرار في حالات استثنائية. والبعض يرى أنه ليس هناك استثناءاً أكبر من الانقسام.
إلا أن ذلك الاستثناء لا يمكن أن ينطبق على قانون المحكمة الدستورية، وذلك لأن أساس عمل المحكمة الدستورية هو الفصل في تنازع الاختصاص بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومن غير المنطقي أن تقوم أحدى تلك السلطات الثلاث منفردة باقرار تعديلات على قانون المحكمة الدستورية دون المرور بأحكام النظام الأساسي لاقرار تعديلاته، وذلك لحساسية الطبيعة السياسية للمحكمة.
ثانياً: جاءت معظم التعديلات على قانون المحكمة لاحكام سيطرة أحدى السلطات (الرئيس) على دور المحكمة وصلاحياتها، بما بتناقض مع جوهر وجود المحكمة وذلك بخلق التوازن بين السلطات الثلاث وضمان عدم تفرد إحداها بالقرار العام.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، فرضت المادة السادسة من القانون المعدل على الجمعية العامة للمحكمة العودة للرئيس للمصادقة على مشروع النظام الداخلي للمحكمة أي نظامها الأساس، الامر الذي يجعل عمل المحكمة وصلاحياتها تحت إشراف الرئيس. وحصرت المادة الرابعة من القانون المعدل صلاحية تعيين رئيس المحكمة وقضاتها على الرئيس فقط، بعد أن أسقط التعديل دور المجلس التشريعي في ذلك حسب المادة الخامسة من القانون قبل تعديله. وحصرت كذلك المادة التاسعة من القانون المعدل صلاحية استبدال القضاة على الرئيس أيضاً، وذلك بعد تعديل المادة الرابعة عشر من القانون الأصلي.
وعلى الرغم من أن ولاية المجلس التشريعي تنتهي بعد أربع سنوات من تاريخ انتخابه، إلا أن ولاية الرئيس كذلك تنهي في غضون نفس المدة، وذلك حسب نصي قانون الانتخابات والنظام الأساسي المعدل لعام 2005. إلا أن هناك شرط مصاحب لانتهاء ولاية المجلس التشريعي يقضي بضرورة اجراء انتخابات قبل انتهاء الولاية القانونية للمجلس.
وكان الأصل بدل اتخاذ قرار غير دستوري بحل المجلس التشريعي في إطار السلطة الفلسطينية والتزامات أوسلو، الإعلان عن موعد لانتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة في إطار دولة تحت الاحتلال. فيأت ذلك التطور السياسي في ظل تنفيذ قرارات المجلس المركزي الاخيرة، والتي جاءت لمواجهة صفقة العصر والتصعيد الإسرائيلي الخطير والدعم الامريكي الفاضح في إطار إجراءات تنفيذها.
على صعيد سياسي أيضاً، لم يحصل قرار حل المجلس التشريعي على مصادقة شعبية عبر استفتاء شعبي واسع على سبيل المثال، أو حتى على توافق فصائلي. فأبدت الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والمبادرة الوطنية بالاضافة إلى حركة حماس والجهاد الاسلامي، وبعضها فصائل رئيسية في منظمة التحرير، وبعضها الاخر تؤيدها شريحة واسعة من الفلسطينيين، اعتراضها على قرار حل المجلس التشريعي، الامر الذي سيخلق مزيد من الانقسام بين الفلسطينيين حول ذلك القرار، ومزيد من الارباك لوضع النظام السياسي الفلسطيني الحالي.
وهو ما بدأ بالفعل عندما اصدر أعضاء حركة حماس في التشريعي قرار بحجب الثقة عن الرئيس، فباتت البلاد غارقة باختلالات قانونية ودستورية تشكك في مدى شرعية النظام نفسه، في ظل حالة من العجز السياسي الداخلي على جانبي الوطن أنتجتها حالة الانقسام، و تصاعد مؤامرات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
ما بين قرار حل المجلس التشريعي غير الدستوري وغير المتفق حوله سياسياً في إطار سلطة أوسلو، وما بين الإعلان عن انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني في إطار إجراءات سياسية جديدة تتخذها منظمة التحرير الفلسطينية لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني، سترجح كفة المشروع الثاني دون منازع.
Comments