bah بين الماضي والحاضر: مزيد من الأسى وقليل من الوطنية - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

بين الماضي والحاضر: مزيد من الأسى وقليل من الوطنية

01/23/2019 - 01:26 AM

Bt adv

 

 

بقلم: محمد زريق

قبل رحيل الفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران كتب هذه الكلمات عن اللبنان الذي يريده أو الذي يمكن أن يتحقق في المستقبل، تحدث جبران عن لبنان الجمال والأحلام والأماني والتلال البهيّة التي تتطلع نحو ازرقاق السماء والأودية الهادئة والجبال الرهيبة، لبنان في مخيلة جبران كان وطناً مقدساً وطن الأحرار والفلاحين والناس البسيطة.

الفتى الحالم يميل إلى وطنه الأم

ترك جبران وطنه لبنان وهو في عمر الورد، رحل هو ووالده وأخوته إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبالرغم من جمال نيويورك وبوسطن ظل هذا الفتى الحالم يميل إلى وطنه الأم، فكان كمن يرتدي جسد غيره في المهجر أما جبران الحقيقي فلم يترك وطنه يوماً وظلت الروح الجبرانية مرافقة لهذا الوطن الصغير إلى يومنا هذا. لم تبهره مباهج الحياة ولا شوراع باريس ولا الحضارة الغربية، فظل إبن الحياة التقليدية اللبنانية، فالذي أحب الورود والأشجار والصخر والغابات من الصعب أن تغريه الأصنام الاسمنتية ولا الاشخاص الروبوتية.

أحب جبران وطنه حباً جماً وكتب له أجمل ما يمكن للقلب البشري أن يستوعبه، ذرفنا الدموع مع هذا الأديب عندما كان وحيداً في المهجر وأهله يموتون من الجوع، وحلمنا معه بوطنٍ جميل لا يشبه وطننا، إنها أحلامٌ زمردية لا يمكن أن تتحقق. كان جبران منبوذاً في مجتمعه ربما لأنه انتقد رجال الدين والاقطاعيين والأشرار وربما أيضاً لأنه كان يمتلك روحاً متمردة وصوت يرعب أصحاب العروش وقلم قادر على أن يحطم أسوار الظلم والطغيان.

جبران  - الاديب

مات جبران ولم يكن يحلم لا بمال ولا بثروة، مات أعزباً وقلبه ينبض بالأحلام التي لم ترسي على مرفئ الاستقرار، رحل وبعد رحيله وهب الدير الكنسي أرضاً من أراضيه ليقام عليها مركزاً لتخليد ذكراه، ومنزله المتواضع والفقير أصبح متحفاً يقصده الكبار والصغار، وأعماله الابداعية تدرس بأهم جامعات العالم.

أنا اليوم أقول "إذا لم تكن شاعراً كن أديباً وإذا لم تكن أديباً كن مفكراً وإذا لم تكن مفكراً كن إنساناً"، ولأنَّ الانسانية هي التي توحّدنا أتوجه إليكم اليوم باسم الانسانية وأخاطب قلوبكم قبل العقول، لأنَّ ما يدخل إلى القلب يترك أثراً لا يمكن أن تمحيه الأيام ولا الأزمنة. لو كان جبران اليوم بيننا ورأى هذا اللبنان الذي وصلنا إليه لأيقن بأنَّ المال هو أقوى من الكلمة وأن ما يفرّق هو مُحبّب أكثر لدى شعوب العالم الثالث، لأنَّ هذه الشعوب لا الوطنية توحدها ولا حتى الانسانية.

رحل جبران ولم يطمع بأمجاد هذا العالم الزائف ولكن الحياة وهبته كل المجد بعد رحيله، أما أبناء المباهج الذين تربصوا وما زالوا يتربصون بهذه الحياة طمعاً وراء مجدٍ زائف أو ثروةٍ على حساب فقراء الوطن فذكراهم سوداء إلى أـبد الآبدين. عندما كتب جبران لم يكن يخاطب الفئة المتسطلة أو البرجوازية، إنما كان يخاطب الشعب البسيط الذي يشبهه، وربما لم يكن مقتنعاً بأنَّ اللبنان خطّه على الورق سوف يتحول إلى حقيقة يوماً ما ولكن رغم ذلك كتب ونثر بذور أفكاره لتنمو.

من بيده السلطة؟

أكتب اليوم وأنا أعلم أنَّ من بيده السلطة لن يستمع لكلماتي لأنها لا تعنيه ولكن إيماني كبير بأنَّ يوم التغيير الذي طالما انتظرناه هو قادم وليس بالبعيد، وكل الفساد والظلم وعدم المساواة اليوم ما هي سوى إشارات واضحة بأنَّ التغيير قادم، أكتب للشعب المقهور الذي جار عليه الزمن وأصبح يحلم برغيف الخبز، أكتب للمرأة التي تضع مولودها على الطرقات بدل المستشفيات بسبب الفقر، أكتب لمن ضحى وعمل في نهاية عمره نراه مرمياً على الطرقات، وأكتب لجميع السيدات ومن كافة الفئات "كيف تخول لكن أمومتكن وأنوثتكن وقلوبكن" رؤية هذا العار والسكوت، ربما هو مرضٌ أصاب جميع قاطني هذا البلد.

أريد أن أعرّيكم على حقيقتكم أيها اللبنانيون وأكشف زيفكم، أنتم المقسّمون إلى مجموعات من الطوائف والأحزاب، وتتلهون ببعضكم. تارةً هذه الطائفة تريد كسب ود طائفة أخرى وطوراً ذاك الزعيم يهاجم صديقه الزعيم الآخر لكسب المزيد من الشعبية الغبية. أما الوطن فيغرق ويحترق ولا من يسأل ولا من يحاسب. من لبنان إلى العالم العربي قمنا بنشر الوباء الطائفي، وحزبيتنا حملناها معنا إلى المهجر بدل أن نحمل وطنيتنا ونفتخر. بأي وجه ألقى الغرباء عندما أكون منتمياً إلى وطنٍ اسمه لبنان؟ فالحديث الأول والمحتوم مع كل أجنبي سيتمحور حول الفساد في وطني والفقر والأحزاب التي تتكاثر يوماً بعد يوم وعدم وجود دولة.

معنى الانتماء إلى هذا الوطن

في وطني مجموعة من الجيران في منزلٍ واحد، وحسب ما تقلبت الأجواء والمناخات تكون العلاقة بين هؤلاء الجيران. ولكن أما آن لنا أن نتعلم معنى الانتماء إلى هذا الوطن، ولكنني أعلم مسبقاً أن هذا الانتماء لن يتحقق، لأن هؤلاء الجيران يسكنون في المنزل اللبناني أما منزلهم الحقيقي فهو الخارج.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment