فادي عيد*
خلال الساعات الاخيرة شهدت الساحة السياسية مشاهد هامة تعكس لنا ما يدور بالكواليس، وملامح الغد ولكم أبرزها :
المشهد الاول : استقالة وزير الخارجية الايراني ومهندس الاتفاق النووي جواد ظريف، والاستقالة التى لم تاتى لنا عبر وكالة فارس او ما شابهها، بل عبر موقع انستجرام بالطريقة الترامبية !
وهنا تطرح كل علامات الاستفهام لماذا استقيل؟ ودلالة التوقيت؟
وبالطبع لا يفوتنا اللقاء الذى جري بين الرئيس السوري بشار الاسد والمرشد الاعلى علي خامئني، ثم اللقاء الثلاثي الذى جمع كلا من الرئيس السوري والايراني بصحبة قائد فيلق القدس قاسم سليماني (نعم سليماني هو من حضر وليس ظريف) وهو الامر الذى يؤكد ان القادم أمني عسكري بحت لا دبلوماسي، فيبدو ان ورقة الاتفاق التى كان يتفاخر بها جواد ظريف من حين لاخر لم تعد تجدي مع خامئني أو بالادق أمام ما يحضر مستقبلا لطهران.
وهو مشهد يعكس لنا امرين :
الاول: حجم الضغوط الحالية على ايران وما ينتظرها من تهديدات لا تحديات غدا.
الثاني: الوضع الحقيقي بين اطراف سوتشي "روسيا، ايران، تركيا"، فلا يخفي على أحد أن كل طرف منهم بات يستغل الاخر أكثر من دعمه.
ومن هنا جاء خطاب الاسد الناري قبل التوجة لايران.
أما المشهد الثاني : فجاء عبر حوار متلفز على قناة سكاي نيوز (أي لسان ابوظبي الذى غاب شيخها الشيخ محمد بن زايد عن حضور قمة شرم الشيخ، حتى جاء تمثيل الامارات متمثل فى حاكم الفجيرة، وهو امر لم تعتاد عليه مصر مع الامارات عامة (بن راشد او بن زايد) او ابوظبي خاصة (محمد بن زايد) !!
وابرز ما جاء فى حوار كوشنير هو تاكيده على انه هناك خطة جديدة لتنفيذ صفقة القرن ولكن هى طي الكتمان والسرية كي لا يتم افشالها كما حدث سابقا كلما اعلن الامريكان عنها، قائلا : "في المفاوضات السابقة التي قمنا بدراستها، وجدنا أن التفاصيل كانت تخرج قبل نضوجها، مما يدفع السياسيين إلى الهروب من الخطة".
مع العلم ان الشيخ محمد بن زايد التقى بكلا من جاريد كوشنر ومستشاره لعملية التسوية في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات والممثّل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الإيرانية براين هوك بالتزامن مع ختام القمة العربية الاوروبية الاثنين الماضي.
وهنا ننظر للواجهة الثانية لابوظبي الا وهي الرياض، فبالتزامن مع وارسو كان العاهل السعودي يجتمع مع ابو مازنن وقاله له "نحن معكم، نقبل ما تقبلون، ونرفض ما ترفضون، نحن مع السلام والشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية كما هي من الألف إلى الياء وليس العكس".
وهنا يتجلى ان ما اقدم عليه الكونجرس ضد الامير محمد بن سلمان كان الدافع الجديد لكي تبعد الرياض عن الامريكي، وعن المشروع الذى كان ينتظر اليهودي ان تتم بمباركتها فى العلن، وبالطبع أنتم تستشعروا ان الدافع القديم لافساد تلك الخطة هي القاهرة.
فالقاهرة تمثيلها فى وارسوا كان الاضعف ان لم يكن لا يذكر، وبنفس توقيت وارسو شارك وفد مصري رفيع المستوي بقيادة نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الآسيوية خالد ثروت إحتفالات مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة بالذكرى الأربعين لإنتصار الثورة الإسلامية.
وبالاساس كان مؤتمر القمة العربية الاوروبية بشرم الشيخ هو سياسي بأمتياز، سياسي بحت، فجائت شرم الشيخ كرسالة واضحة على صفقة القرن وعلى وارسو، بعد ان اجتمع بشرم الشيخ كل العرب والاوروبيين الذين امتنعوا عن الحضور لوارسو، مع العلم ان نفس الملفات التى فتحت فى وارسو هى التى فتحت فى شرم الشيخ، ولكن شرم الشيخ جائت بصيغة مصرية ترعى الامن القومي العربي ومصالح اوروبا التى عانت من ترامب الأمرين، لا وارسو التى جائت بصيغة جاريد كوشنير التى ترعى مصالح نتنياهو نفسه قبل اسرائيل.
فمشهد شرم الشيخ الذى جاء بعد حضور الرئيس المصري فى مؤتمر ميونخ أعاد لتركيا مشكلتها المزمنة تاريخيا وجغرافيا ايضا، فتركيا ليست دولة عربية ولا اوروبية، وهى ايضا ليست دولة اسلامية بمفهوم الدولة الاسلامية، ولم ولن تعد علمانية كما أسسها اتاتورك مطلقا.
وجعل الصدام مع مصر فى كل بقعة تحاول تركيا ان تضع يدها بها فى أوج حالاته، بداية بالسودان والقرن الافريقي، مرورا بليبيا وغزة، وصولا لشرق المتوسط.
ولذلك جائت اليوم كافة الصحف الموالية للحزب الحاكم بتركيا جائت فى هجومها على مصر والحاضرين بالقمة بمنتهى التفاهة وأبعد ما يكون عن العمل الصحفي والتحليل السياسي الواقعي.
ومن ما سبق نستدرك الاتي :
*حجم ما تعيشه ايران من قلق داخلي.
* استحالة عودة حلم الخلافة على الطراز الاخواني وان دور اسطنبول وديار بكر لن يعود الى ما كان متفق عليه فى 2002م، حتى لو عاد الديمقراطيين للحكم فى البيت الابيض.
* كيف بات يبتز اردوغان (المازؤم اقتصاديا) قطر (المأزومة اقتصاديا) أيضا، بتسليم الارهابيين المصريين الذى اوصى عليهم مفتى الدم القرضاوي للقاهرة، وربما تكون زيارة تميم للكويت كانت لطلب قرض من الكويت.
* ويتضح كيف تتعامل مصر مع العاصفة التى لم تنتهي بعد، وكيف تخلق الفرص فى ظل انعدامها بتلك المباريات المعقدة الصعبة.
اما ما يطرحه المشهد من اسئلة ننتظر اجابتها
كيف ستكون توجهات البوصلة الروسية مستقبلا، هل تعول على ايران فقط، ام يحدث الصدام الذى تأجل لسنوات مع تركيا ؟
هل مازالت ايران تعول على صمود اوروبا امام الولايات المتحدة، ام أنها استبقت التصعيد التى ستذهب له واشنطن، واعدت عدتها لمواجهة الغد ؟
ولا يفوتنا تعليق نتنياهو على استقالة جواد ظريف، قائلا : "لقد رحل ظريف، هذا مصدر ارتياح" قبل ان يضيف "طالما أنا موجود ايران لن تمتلك السلاح النووي أبدا".
هل اعلان بريطانيا بتصنيف حزب الله بشقيه العسكري والسياسي كمنظمة ارهابية بداية لما يحضر لايران والمحنا عنه بطول المقال ؟
*الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط
Comments