نيروز الطنبولي*
أتعجّب أحياناً من تصرّفات الآباء مع رغبات أبنائهم في أماكن الترفيه والتسوق وربما ذلك بحكم ظروف تواجدي في مثل هذه الأماكن لعمل ورش فنية للأطفال وبحكم دراستي للطفولة والتي جعلتني أشعر أكثر بالطفل وبما يجتذبه ويلفت انتباهه وكيف بسذاجة يتعلق به ويركض ليخبر أبويه عمّا يريد!
وكثيرا ما أنظر بعين ناقدة لردود أفعال الآباء وأثرها على الطفل.
الطفل بطبعه يلتفت للألوان واللعب والبهرجة ويقف حائر إذا تعددت الأشياء التي تلفته ويركض يستعطف أمه لكي تعطيه مالا ليشتري وهو غير محدّد ما يريد .
ممّا يجعل الباعة يستغلون تعلق الأطفال السريع ليسوقوا لبضاعتهم التي كثيراً ما تكون لا جدوى منها ولا هدف سوى استثارة الأطفال بأمور تافهة وبيعها بثمن باهظ وللأسف تجد الطفل بلا رادع ! لماذا؟
إما أنه متروك للمربية محدودة الثقافة وبيدها مبلغ من الأم هو ما يوجهها للصرف عليه، وإمّا الأم التي كثيراً ما تكون غير واعية بالقدر الكافي والتي غالبا تتعامل مع الحاجه على الشراء بشكل سطحي فتعطيه ما يريد ليصمت أو تمنعه دون توضيح.
وإذا ترك بلا توجيه سيظل يلح ولن نحقق الهدف المرجو من استثمار تلك المواقف في تربيته. فمن الضروري أن نفهم الطفل لماذا الرفض أو القبول فيتعلم وهذا إذا كان لدينا نحن الكبار مبدأ واضحا وأسسا تحكم مشترياتنا.
فكثيراً ما تجد الأمهات أنفسهن يشترون الأشياء اقتداء بصديقاتهن أو لمجرد محاولة لاستثارة غيرتهن بالسبق للشراء أو ربما اللهث وراء الماركات العالمية والتي هي في الأساس أكبر أكذوبة صنعت لغزو عقول السطحيين من أمثالهن ولغزو عقول الفقراء والمحرومين وإشعارهم بالدونية !
وهذا النوع من الأمهات كثيراً ما تجدهن في محلات لعب الأطفال ، فإذا أراد طفلها لعبة تصرخ عليه وتقول :(هذه مش أصلي حبيبي لا تشتريها)
لم تقل هذه اللعبة أكثر فائدة من تلك أو أنها لعبة غير إبداعية لن تضيف لك شيئا أو سنبحث عن الأفضل أو الأرخص سعراً وفي النهاية تجدها ترضخ لما يريد أو تتمسك بكونها ليست أصلية ولا تشتريها وسواء أفهمته سبب الرفض من عدمه فلا يفيد ولا يجدي.
نحن في حاجة لأن نربي أنفسنا قبل أن نبدأ بتربية أطفالنا ولا تقولوا هؤلاء أطفال عادي !
هناك قيم كثيرة نقتنص الفرص لنرسخها ونصلح من حياتنا بغرسنا فيهم .
اشتري لإبنك ما يريد مما يناسبه ومما يجعل منه أكثر ابداعا باختيارك اللعبة التي تعمل عقله وحسه وحركته منذ نعومة أظافره وعن تجربة سينضج فكره وتتحسن اختياراته أو على الأقل ستجده يأتيك ويشرح لك أسبابه ودوافعه للشراء وإن كانت أسبابا واهية بالنسبة لك فهذا في حد ذاته مكسب .ولن يتوقف الأمر عند ذلك بل سيتطور لمناقشات وبطول بالك عليه وتحملك للأخذ والعطاء سترسخ بداخله أمور ربما يفتقر إليها الكثيرون في مجتمعاتنا التي صارت استهلاكية لأبعد حد في زمن تتجه فيه الأسعار لزيادة جنونية في كل العالم... ومعاناة الشعوب تزداد أمام تحديات الإنتاج وجنون الاحتياج وتجد الكثير من الحكومات تتوجه لتقليص الاستيراد ونحن نمثل ضغطا عليهم بكثرة متطلباتنا وتمسكنا بوهم الماركات العالمية، فكفانا ما فعلنا ببلادنا وبأنفسنا والله الله في أطفالنا وفي تربيتهم .
*كاتبة ورسامة
Comments