عادل صوما
حدد بابا الفاتيكان فرنسيس الاول، أمام أفراد ينتمون إلى الطائفة الكاثوليكية ضئيلة العدد في المغرب، دور أفرادها في البلاد بالتعايش بأخوّة مع الأديان الأخرى، وليس التبشير بالمسيحية.
طلب البابا غريب، ويقع في نطاق "العلاقات العامة" التي ينتهجها في كلماته وزياراته، وغرابة ما قاله مرجعها إلى أن نسبة مسيحيي طائفة الكاثوليك في المغرب، تمثل أقل من خُمس (5/1) بالمائة في المائة من سكان يبلغون نحو 35 مليون نسمة، معظمهم مهاجرين من دول أفريقيا جنوبي الصحراء، والوافدون من أوروبا خصوصا فرنسا، وهؤلاء جاءوا للعمل والاقامة بسبب خلفيات الثقافة الفرنسية للمغرب.
التحوّل من الإسلام إلى أي دين آخر محظور في الشريعة الاسلامية وعقابه القتل، ويُعاقب القانون المغربي بالسجن ثلاث سنوات على كل من يمارس التبشير، ناهيك عن قطع رزقه في العمل وتدمير مستقبله بعدم قبوله في أي مكان آخر بعد قضاء العقوبة، ما يعني فقدان العمل حتى للوافد من أجل العمل فقط. والوافدون يمارسون مع العابرين المغاربة طقوسهم الدينية في بيوتهم لعدم وجود كنائس، في بلد منفتح على كل الاديان.
من جهة أخرى، التبشير حتى بالإلحاد حق من حقوق المواطن/الانسان، مثله مثل تسويق أي سلعة أو فكرة تماماً، فلماذا ينكر البابا حق التبشير على الكاثوليكيين، بينما السُنّة في الغرب يبشرون بالاسلام ويوزعون القرآن في الشوارع وأحيانا امام الكنائس؟
لماذا لم تمنع أوروبا التبشير بالاسلام؟ لأنه حق من حقوق المواطن في الدول العلمانية.
وبالعودة إلى المغرب، نجد معظم المسلمين في دول المغرب العربي الذين تحولوا إلى المسيحية حديثاً فعلوا ذلك بدافع شخصي، وتجاهلوا تماماً حكم القتل للمرتدين، نتيجة عار الفظائع التي مارسها "داعش" وجعلت الناس يعيدون قراءة الاحاديث والقرآن بشكل عقلاني محايد، والمسلمون الذين يتحولون في أندونيسيا للسبب نفسه أكثر بكثير مما يتخيل أي إنسان، فلا توجد "مشاكل تبشير" في أندونيسيا لأنه بلد إسلامي صرف يغلب عليه التزمت.
وحتى لا نظلم "داعش" يجب ذكر التنوير الرقمي المتاح لكل انسان كسبب بدء التفكير في التخلص من الاديان كافة وليس الاسلام فقط، ومن يتابع قنوات "يوتيوب" يعرف ذلك تماما، ويدرك أن هذه النواة التي زرعها أبطال مسلمون علمانيون ستتحول إلى إعصار قريباً.
إذا كان البابا لا يدرك ذلك الامر، فعلى مراقبي الاعلام، خصوصا المسيحي الذين يرفعون تقاريرهم إلى دولة الفاتيكان، إبلاغه بضرور ترجمة بعض حلقات العلمانيين والملحدين (المسلمون سابقاً) ليعرف الحبر الأعظم ما يجري على الارض ومن ثمة يصوم عن سياسة "العلاقات العامة".
سيلاحظ الحبر الأعظم إذا تمت ترجمة نماذج من المعروض على "يوتيوب" له، أن كل العلمانيين واللادينيين والعابرين خرج معظمهم من عباءة الاخوان المسلمين أنفسهم، وهي الجامعة التي تخرج فيها كل المتشددين منذ 1924، وبعضهم أبناء أسر مسلمة متدينة جدا، وهم يردون على من يكتب تعليقات تسفههم أو تبشرهم بجهنم أو تهددهم بالقتل على مواقعهم بعبارات مثل "إذهب واقرأ دينك اولا ثم ناقشنا بعد ذلك"، أو "نحن لا نبشر ولكن نقول ما عرفناه وافعل أنت ذلك أيضا" أو "اقرأ وابحث وقرر".
سياسات الفاتيكان منذ عهد البابا بولس السادس الذي أطلقوا على الفاتيكان ايامه "المحفل الفاتيكاني الأعظم" نتيجة الانفتاح على الماسونية وماسونية البابا نفسه، تسببت خلال نصف قرن في تفريغ الكنائس من الكاثوليكيين في أوروبا، والبحث عمن يؤجرها أو هدمها لتحويلها إلى محلات، وبدلا من تمهيد أوروبا لمرحلة ما بعد المسيحية، حسب ما زعموا، تم تفريغ القارة تماماً من الايمان بأي شيء، وعلى البابا الحالي والقادمين البحث عن حل، فالمسألة اليوم لم تعد وجود "الله" فهو أمر شخصي محض، بل وجود حضارة وكيان علماني وهي أمور عامة.
مطلوب من الفاتيكان إعادة النظر في أهمية الايمان بالاوطان من خلال رجال ومنابر الكنيسة ومدارسها، لأن الاوروبي فقد حتى الايمان بالوطن ونخوة الدفاع عنه. وإذا لم يفعل البابا ذلك مع رؤساء أوروبا النخبويين سيقود الشعبويون أو اليمين المتطرف هذه الحملة، وسيتجاوب الشعب معهم وسينتخبهم، لأن روح الشعوب بدأت تذوي نتيجة تثاؤب الوطنية ورجال النخبة والعلاقات العامة، وتفضيل المصالح والانسان المستَهلِك عليها. ومن يقرأ ما وصلنا من سيرة المسيح بتروٍ، سيجد أنه كان وطنياً في كل ما فعله بدءأ من وجوب الجزية لقيصر مروراً بنشر السلم الأهلي من خلال تعاليمه حتى رفضه أن يكون ملك اليهود. والاخيرة كانت سبب التآمر عليه وصلبه.
الوطن أحد العقائد المهمة التي تكاد أن تختفي تحت وطأة عقيدة الاستهلاك.
Comments