bah إرهاصات يمين متصدر في البرلمان الأوروبي - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

إرهاصات يمين متصدر في البرلمان الأوروبي

06/03/2019 - 19:45 PM

بيروت

 

بقلم : إيريني سعيد*                               

أبرزت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، والتي أجريت خلال الأيام القليلة الماضية، لاختيار 751 نائباً أوروبياً، ومن أجل تمثيل 28 دولة أوروبية - الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي حتي خروج بريطانيا - تقدماً ملحوظاً للأحزاب القومية والشعوبية، مقابل تراجع أحزاب اليسار ويمين الوسط أوالأحزاب التقليدية، والتي طالما تربعت علي عرش أوروبا السياسي، ويأتي عدد المقاعد والتي حصلت عليها الأحزاب الليبرالية والخضر ليشكل اختراقا قد يحدث حالة من التوازن، وسط تخوفات من مشهد سياسي فوضوي ربما يتسم بالتفتت والانقسام .

تقاعس الناخب الأوروربي

لأول مرة ومنذ عقود يتقاعس الناخب الأوروربي عن تأييد أهم الأحزاب السياسية بأوروربا سواء حزب الشعب الأوروبي - والذي يضم معظم الأحزاب اليسارية واليمينية المعتدلة - أوالأحزاب الاشتراكية والديمقراطية، ليخسرا معاً ما يقترب من المائة مقعد بالبرلمان، وتتصدر الأحزاب اليمينية المتطرفة المشهد بأهم دول الإتحاد محققة معدلات قوية، ففي بريطانيا اكتسح حزب البريكست المناهض لمشروع الوحدة الأوروبية والمؤيد للخروج الخشن من الإتحاد الأوروبي بقيادة نايجل فاراج، يشاركه في التقدم حزب الرابطة الإيطالي اليميني المتطرف بقيادة وزير الداخلية ماتيوسالفيني، ليصعد أيضاً حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، بقيادة مارين لوبين، متفوقاً علي حزب "الجمهورية إلي الأمام" الذي يقوده الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وبالرغم من تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي أكبر الأحزاب بألمانيا ومعه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلا أن الأخير ظل متقدماً علي حزب البديل اليميني بنسبة معقولة .

القومية الأوروبية

وربما لم تكن النتائج بعيدة عما توقعته أهم مراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي بأوروبا، مما يعني أن الرغبة لدى المواطن الأوروبي باتت ملحة من أجل الالتفاف حول من يحفظ هويته وثقافته بل وينهض بمشروعه الوطني على حساب القومية الأوروبية، حتي وإن صاحب ذلك غياب واضح لقيم ومبادئ، اعتبرت يوماً أسس نهضة بل وأهم مرتكزات تقدم القارة العجوز .

وإذا كانت التحولات الجذرية التي شهدتها أوروبا مؤخراً، وتعلق معظمها بالظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد، وأبرزها تفشي ظاهرة البطالة وتراجع نصيب الفرد من الدخل القومي، ناهيك عن الأزمات الأقسي والخاصة بقضايا الهجرة والإرهاب، اعتبرت من أهم العوامل في بروز بل وصعود اليمين وتصدره المشهد، إلا أنها لم تسهم في هذا الصعود، بقدر ما ساهمت النخبة السياسية التقليدية في أوروبا حينما عجزت عن وضع المعالجات لهذه الأزمات علي نحويطمئن المواطن الأوروبي، ولم تعبأ بما يواجه مشروعها القومي من تحديات وأحدثها الانسحاب البريطاني وتداعياته، والتي تنذر بانفراط العقد .

إرهاصات صعود اليمين مثلت طفرة علي كافة المستويات، ليس فقط علي مستوي الداخل الأوروبي، إنما أيضاً المسرح الدولي، خصوصا وأن قيمه المحافظة لا تتفق وحداثة أوروبا وعصريتها التي اعتادها العالم، وربما يستطيع إقامة تحالفات داخل البرلمان، تمكنه من سن وتمرير القوانين التي يرغبها، والكفيلة أيضاَ بمحوهذه الحداثة .

ملامح السياسة الأوروبية

إعادة ترتيب الأوراق تأتي في مقدمة أولويات النخبة التقليدية، والتي يرجع إليها الفضل في رسم ملامح السياسة الأوروبية - ومنذ عقود -، وبالرغم من خسارتها، إلا أن الفرصة ما زالت سانحة أمامها، لاستعادة المشروع الأوروبي، وهوما لن يتحقق إلا باستعادة رضا المواطن، ولعل نتائج الاستفتاء البريطاني علي الخروج من الإتحاد الأوروبي 2016، وبدء انفراط العقد، جاءت من مواطن لم يعد يحتمل كم الأعباء والالتزامات، فثمة تفاوت واضح في الأوضاع الاقتصادية من حيث حجم الثروات والدخول أوالالتزامات بين دول الإتحاد الأوروبي، ففي الوقت والذي تتمتع فيه دول باقتصاد قوي وموارد تذكر، تعاني أخرى من الديون، وكما هومعلوم أن السبب الرئيسي وراء رغبة بريطانيا في الخروج كان تحملها القدر الأكبر من ميزانية الإتحاد والتزاماته، بالإضافة إلي تبعات استقبال ما يتجاوز 900 ألف لاجئ - إقامة، صحة، تعليم، والأخطر مردود اختلاف الثقافات -، وهو ما انعكس على المواطن البريطاني في صورة سياسات تقشفية أقبلت عليها الحكومة البريطانية برئاسة ديفيد كاميرون - رئيس الوزراء السابق - بالتالي نفر البريطانيون من القومية وبحثوا عن الوطنية، إن كانت القومية علي حسابهم دون غيرهم.

القاعدة الانتخابية

هنا يطرح " توماس بيكيتي " الاقتصادي الفرنسي، مشروعا سياسيا، من أجل مواجهة هذا التفاوت، وضمن رؤية إصلاحية للإتحاد الأوروبي، أبرز ملامحه إنشاء كيانات سياسية فوق قومية تتخطي في صلاحيتها الحكومة المحلية ويعهد إليها تنظيم كافة شئون الدولة، بما يقتضي توسيع القاعدة الانتخابية في بروكسل وألا تقتصر علي ممثلي دول الإتحاد وقط، مع إنشاء جمعية أوروبية تفوق صلاحياتها صلاحيات البرلمان، وأهمها إقرار ميزانية الإتحاد، ويؤكد علي ضرورة تبني سياسات نقدية واضحة من شأنها حل أزمات الإتحاد المالية .

لا شك تتواجد الخطط والإستراتيجيات، وجميعها مفاتيح من أجل عودة المشروع الأوروبي إلي ماكان عليه إبان فترات الإتحاد والرخاء، والمطلوب هي الإرادة السياسية لساسة أوروبا في هذه المرحلة، ومعها الإدراك بأن موازين القوي العالمية قد اختلفت ولم تعد كما كانت، وأن الثنائية القطبية أوحتي الأحادية اختفت من عالمنا، وما يحدث هوتعدد القوي الصاعدة والتي تبحث تبحث ليس فقط عن تصدر المشهد لكن قيادته أيضاَ، وأن القارة العجوز تستحق الصدارة بعصريتها وعمق تاريخها .

 

*صحفية وكاتبة المصرية وعضو نقابة الصحفيين

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment