المحامي عمر زين*
في ازمات الوطن الكبرى، وعند المنعطفات المصيرية الخطيرة، كما هي الحال في لبنان، وبعد أن فشلت السياسة المشوهة الرعناء في رأب الصدع ومعالجة الداء العياء، وكانت هي بالذات من أبرز أسباب ما يتخبط به البلد ، وفي هذه الأجواء المكفهرة، يرى المخلصون من أبنائه، الخائفون صدقاً على المصير. أنّ من أولى واجباتهم البحث الدؤوب المستنير عن كل الوسائل والعوامل الإيجابية التي من شانها تأمين الخروج من هذه الأزمات المتمادية الى نعمة الإستقرار والأمن من جهة، وإلى تحقيق السلم الإجتماعي بكافة وجوهه من جهة ثانية. ويطرح في هذا المجال دور الأدب والشعر، في توطيد الصيغة اللبنانية، وتكريس مبدأ المواطنة، وضرورة التعايش واحترام الحريات الدينية من أجل حياة أفضل.
الحضور الكرام،
قد يبدو السؤال غريباً في زمن الغربة عن ضوء الكلمة وأنوار الإبداع، وبخاصة لدى الغرباء عن تاريخ الشعر والأدب، وما أنجزاه في حياة كثير من الدول والأمم، وإطلاق ثورات التحرر فيها، حتى انهيار انظمة الفساد والطغيان.
ولم يكن لبنان بعيداً عن هذا الغنى الحضاري، بل كان خزان الشعر والأدب الذي يفيض على الكون هدى ونورا، وهل مجد لبنان إلا ريشة فنان ويراعة شاعر، وصدق الأخطل الصغير يردد:
وإني لمن معشر لولا يراعتهم
ما كان لبنان غير الماء والطين
واسألوا زحلة، عبقر الشعر ومدينة الفن والادب التي هام بها امير الشعراء شوقي، والتي جسّدت في تاريخها البعيد والقريب اساطير الابداع اللبناني، واطلقت هنا وفي القارات كافة كبار الشعراء، وصنّاع مجد الكلمة الذين ادهشوا العالم بروائع الشعر، وسحر الفن والبيان، في سلسلة من العمالقة لا تنتهي بالمعالفة عيسى وشفيق وفوزي ورياض، وتستمر بسعيد عقل وميشال طراد وفرحات والصايغ وآخرين مستمرين وقد ساهموا واضافوا الى الادب المهجري في الرابطة القلمية، والعصبة الاندلسية، وديار الاغتراب ما اثرى هذا الادب، وجعل اللبنانيين المغتربين اشدَّ تمسكاً بالوطن الام وبوحدته، وجعل لبنان على صغر حجمه بحجم الكون. واملنا ان تستمر هذه المدينة نموذجاً في الابداع وفي العطاء المميز.
ومن هنا يا سادة، فلا يستغربنَّ احد قدرة هذين الساحرين الشعر والادب في خلقٍ مناخات مؤاتية وفاعلة في توطيد التزام اللبنانيين بميثاق الصيغة اللبنانية التي تأبى زوالاً على الدهر، وفي ترسيخ دعائم العيش الواحد لشعب واحد، وفي حماية الحريات كافة بما فيها الحرية الدينية، ذلك ان صوت الشاعر هو اعلى الاصوات في ضمير الشعب، وهو الاقدر والادرى بمسالك التأثير فيه وتأكيداً لذلك قال امين الريحاني: الشاعر الحقيقي مرآة الجماعات، ومصباح الظلمات وعون في الملمات، وسيف في النكبات، واضاف القروي، الشاعر دليل امته، يتقدمها كعمودٍ النور في ليالي محنتها، بشيرها مع الشدة، ونذيرها في الرخاء.
وعندما اتحدث عن الشعر والشعراء واهل القلم، فإنما اتحدث حصراً عن هؤلاء الملتزمين بقضايا الوطن والامة من فلسطين الى كل انحاء الوطن العربي، اما الذين اختاروا الوقوف بباب السلطان والزعماء، مبخرين اذلاء، فهؤلاء بالطبع خارج الدور.
واذا كان من تقصير في اداء هذا الدور – وقد حصل – فإنما يتحمل مسؤوليته طرفان اساسيان، الاول القادرون من النخبة من نوابغ الامة شعراء وادباء ومفكرين اذا لم يمارسوا دورهم بشجاعة دون استئذان لان الثقافة الملتزمة لا تنتظر اذناً للتعبير عنها مهما كانت ضريبة التضحيات حتى الاستشهاد، فيقتضي ان يتوحدوا كما توحدوا يوم الاجتياح الاسرائيلي في تجمع هيئات ثقافية قادها اتحاد الكتاب اللبنانيين آنذاك، ونتمنى ان يحمل هذه المسؤولية في الايام القادمة.
ثانياً: اصحاب السلطة وفي المقدمة وزارة الثقافة المسؤولة عن حشد هذه الطاقات وتشجيعها واطلاقها بقوة، هذه الطاقات التي لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ.
واراني اخيراً اتفق مع الشاعر الكبير جوزيف صايغ بأنه لا يمكن ان اتصور شاعراً حقيقياً ملتزماً بغير الجمال، لأن الجمال التزام مطلق ضد جميع انواع القبح، من الحقد والفقر والاستبداد، والانهزام، ولا اتصوره الا مسكونياً، يشعر مع كل انسان، من قلبه تنبض كل قلوب البشر.
السيدات والسادة،
كم نتمنى ونطالب ان تتوحد كل الهيئات الثقافية والابداعية في لبنان لتشكل الجبهة الاساسية المقاومة لكل اشكال الفتن، ولتحملْ لبنان الى الكون كما كان درّة هذا الشرق، وطناً موحداً، وشعباً واحداً، عصياً على الموت والانقسام والهزيمة.
فلينهض الشعراء والادباء والفنانون، ليتقدموا الصفوف لا خلفها، وهذا الشاعر اللبناني العربي صالح الدسوقي يناديهم.
يا شعراء الشرقِ افيقوا
انتم نورُ اللهْ
انتمْ في ظُلماتِ الدهرِ شعاعْ، انتمْ نبعُ الحب، وشمسُ الصحوةِ والابداعْ.
يا شعراء النهضةِ في لبنانْ
هاتوا من صيحاتِ حناجركمْ – هاتوا من اعصار قصائدكمْ،
نهدمْ سور الفتنةِ والطغيانْ
انها صرخةُ في وادْ، قد تذهب بها الاودية، وقد تقتلع الفساد
الحضور الكرام،
اننا في المنسقية العامة لشبكة الآمان للسلم الاهلي نثمن عالياً الدور الذي يلعبه سيادة المطران عصام يوحنا درويش في العمل على تعميم ثقافة المواطنة والسلم الاهلي، ونعلن اننا اخذنا عهداً على انفسنا ان تتفاعل افكارنا في حوارات دائمة مع كل الجهات المهتمة بالحوار والسلم الاهلي والمواطنة، وحمل رسالة المحبة في لبنان المقيم والمغترب كي ننتج مجتمعاً راقياً في لبنان والعالم العربي يحمل رسالة الانسانية في احترام الرأي والرأي الآخر مع حرية التعبير والمعتقد.
ومن اجل ذلك كان التعاون وثيقاً بيننا وبين ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار وبصورة دائمة، الى جانب نشاطات اللقاء التشاوري الذي يعقد شهرياً متنقلاً بين كل المحافظات اللبنانية تحت مظلة ورئاسة سماحة العلامة المرجع السيد علي فضل الله.
واليوم نحن في هذه الفعالية التي نقيمها مع اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي الاسلامي ونادي الشرق للحضارات، فلجهودهما كل الثناء والتقدير، هذا وسنشترك في بناء اوثق العلاقات مع الجامعات والمنتديات الفكرية والثقافية في لبنان المقيم والمغترب خدمة لإنسانية الانسان ولتعميم ثقافة مناهضة العصبية، والمذهبية، والطائفية، والعنف والارهاب، وبناء الانسان اللبناني المناهض للعدو الصهيوني الذي يمارس جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية ويحتل ارضنا ويمارس ارهاب الدولة.
شكراً على إتاحة الفرصة لهذا اللقاء، ستبقى المنسقية العامة لشبكة الأمان والسلم الأهلي إلى جانبكم ومعكم، ولن نيأس،
لنبقى أوفى شعب لأجمل وطن، نقف مع الحق والعدالة.
عشتم لتعزيز هذه المبادئ،
عاش لبنان.
* الأمين العام السابق لإتحاد المحامين العرب
المنسق العام لشبكة الأمان للسلم الأهلي
Comments