حسن عجمي *
تدعو هذه الحملة إلى الثورة على المُقدَّس لأنه يُحتِّم سيادة الأنظمة الديكتاتورية وفشل ثوراتنا في العالَم العربي. فلا ثورة حقة وناجحة بِهيمنة المُقدَّس فهيمنة الطاغية بِيقينياته الكاذبة.
ثورات العرب تُعيد صياغة الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي لأنَّ واقعهم مُقدَّس بقدسية الله والنبوة والإمامة ومُقدَّس بقدسية الماضي واليقينيات والجماعة. لذلك الثورة الحقيقية ثورة على المُقدَّس.
يسجننا المُقدَّس بقدسيته كأن تسجننا اليقينيات المُقدَّسة غير القابلة للشك والمراجعة والاستبدال بمعتقدات ماضوية تُحتِّم نشوء الفِتَن والحروب الأهلية وحُكم الأنظمة الديكتاتورية. لا حرية ولا تطوّر بِيقينيات لا تقبل المراجعة والاستبدال. ولا عِلم ولا معرفة بِيقينيات تسجن العقل وتقتل الإبداع. هكذا الثورة الحقيقية ثورة على اليقينيات.
الثورة الحقة ثورة على المُقدَّس والقداسة والتقديس كتقديس الماضي والجماعة واليقينيات وتقديس حُكم فرد أوحُكم جماعة أفراد. فلا حرية بِسيطرة الماضي واليقينيات والجماعة على عقولنا وسلوكنا وإلا أعدنا تشكيل الديكتاتورية الماضوية نفسها. لذلك الحرية كامنة في التحرّر من ذواتنا اليقينية والجماعية والماضوية ما يؤدي إلى التحرّر من الطغاة.
فالجماعات كالجماعات المذهبية والطائفية والأيديولوجية تختزل الأفراد إلى جماعات مُحدَّدة مُسبَقاً فتقتل حرية الفرد واستقلاله. والماضي يغتال العقل بِيقينياته ويُدمِّر الحضارة بِفِتَنه وحروبه الماضوية.
الثورة إبداع ثقافي وأدبي وفني بالدرجة الأولى. ومن المستحيل إنجاز أي إبداع في ظل حُكم المُقدَّس الذي يرفض المختلف والاختلاف فالإبداع إنتاج المختلف. والحضارة سلسلة ثورات متتالية فلا حضارة بلا تطوّر ولا تطوّر بلا ثورات. هكذا الثورة ماهية الحضارة والتطوّر لأنَّ كلّ ثورة إبداع وكلّ إبداع ثورة.
الثورة الحقيقية تكسر المُحرَّمات فتُحرِّم الحلال وتُحلِّل الحرام وإلا لا تكون سوى إعادة بناء للواقع على ما هو عليه. الثورة الحقيقية ثورة على الحلال والحرام اللذيْن بهما يحكم الطاغية وينتصر. فلا ثورة فعلية بِثنائيات كاذبة كثنائية الحاكم والمحكوم وثنائية الحلال والحرام وثنائية الفقر والغنى.
أما فشل الثورات العربية أي فشل تحقيق نهضة حقيقية تتصف بِحُكم الحقوق الإنسانية وانتاج المعرفة والعلوم فكامن في تحويل الله إلى طاغية وتحويل الطاغية إلى إله. لذلك الثورة الحقيقية هي ثورة على الله.
لا حرية باحتكار الألوهية والنبوة والإمامة والقداسة. فكلّ إنسان نبي وإمام. وكلّ إنسان مُقدَّس بألوهيته وإنسانيته. وبذلك تتحرّر الألوهية ممن يحتكرها فتصبح ألوهية أعظم ويتحرّر الإنسان من عبودية أوهامه. الألوهية الحقة هي الماهية المشتركة بين كلّ الظواهر والحقائق والكينونات والكائنات الطبيعية والبشرية وإلا كانت ألوهية احتكار ما يناقض ماهية الألوهية الحقة الخالية من الصفات السلبية كصفة الاحتكار. لذلك ثمة ألوهية أسمى بالثورة على ألوهية الاحتكار واحتكار الألوهية.
بالثورة على الله نتحرّر ويتحرّر الله. فالله لا يقبل شريكاً له تماماً كالطاغية. وبذلك أيديولوجية الله تُؤسِّس لِسيادة أيديولوجيات الطغاة. من هنا لا ثورة حقيقية سوى بالثورة على إلهٍ طاغية وطاغيةٍ إله. لا حرية مع المُقدَّس. ولا قداسة وقدسية مع الحرية.
*كاتب لبناني
Comments